مع الشروق .. أوروبا اليمينيّة والتحوّلات الكبرى
تاريخ النشر : 07:00 - 2024/06/13
أذنت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي بدخول القارة العجوز مرحلة سياسية أخرى لن تكون تمظهراتها وارتداداتها كما كانت عليه أوروبا قبلها مع اكتساح أحزاب أقصى اليمين أو ما يطلق عليها باليمين المتطرف هذا الاستحقاق الانتخابي وبروزها كقوة أولى وفي أسوإ الأحوال كقوة رئيسية لا في هذا المجلس فحسب بل في الدول التي عادة ما تحسب على اليسار أو الوسط فإذا بالموجة اليمينيّة تشملها وتأخذ في التمدد والتوسع وسط ترقب لنتائج هذا الصعود التاريخي الذي شكّل زلزالا سياسيا في عديد البلدان.
فبكل المقاييس يعكس هذا الصعود التاريخي للأحزاب اليمينيّة تحولا ديمقراطيا هاما في المشهد السياسي الأوروبي، ويُعَدّ تحديا للأحزاب التقليدية وللديمقراطية الأوروبية بشكل عام، وهو إلى ذلك انتكاسة وتعبير واضح عن تحوّل في المزاج العام للناخب الأوروبي الذي يعاقب بهذا التصويت سياسات وخيارات حكّامه في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وارتفاع معدلات التضخم وتفاقم البطالة إضافة إلى عنصر أصبح محدّدا في توجهات الأوروبيين وهو ملف المهاجرين .
فنقيضا للأحزاب الكلاسيكية، ترفع أحزاب اليمين المتطرف شعارات موغلة في الشوفينية مرتبطة بالمعطى الهووي بدعوى حماية الثقافة والهوية والسيادة الوطنية إضافة إلى لعبها على ملف الهجرة وهو ما يجعل خطابها مسموعا لدى الناخب الأوروبي في سياق الأزمة الراهنة التي يحمّل فيها مسؤولية الأزمات المتتالية للحكومات الحالية، غير أن صعود هذه الأحزاب يعتبر في المقابل تحديا للديمقراطية الأوروبية ولمبادئ الاتحاد الأوروبي التي ترتكز على التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ولا شكّ أن الديمقراطية الأوروبية ستكون على المحكّ في المرحلة المقبلة مع صعود هذه التيارات اليمينية القصووية انطلاقا من تغيير التوازنات السياسية والقوى داخل البرلمان الأوروبي، حيث سيتزايد تأثير الأحزاب اليمينية ويتراجع تأثير الأحزاب التقليدية بما يعكس تغيرات في اتجاهات الناخبين واستجابتهم لقضايا معينة متعلقة أساسا بالتحديات الاقتصادية والهجرة والأمن، علاوة على ما يطرحه ذلك من مخاوف بشأن تماسك الاتحاد الأوروبي ذاته وتكامله، فالأحزاب اليمينية تعبّر عن معارضة تجاه التكامل الأوروبي وقد تؤثر على قرارات الاتحاد الأوروبي واتفاقياته الدولية وتعزز الانشقاقات السياسية بين الدول الأعضاء.
وبعيدا عن السياقات الأوروبية في مفهومها المؤسساتي الشامل، فإن صعود هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة وما ترفعه من شعارات متعلقة بقضايا الهوية الوطنية والهجرة ستكون بلا شك في صدارة أجنداته السياسية، سيغفل في المقابل قضايا أخرى هي من صميم اهتمام المجتمعات الأوروبية مثل التوازن بين الحقوق والحريات الفردية والتحديات الاقتصادية وقد يؤدي إلى تراجع الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والبيئية وحقوق الإنسان وقد يفرز كذلك تصاعدا للانقسامات الاجتماعية والثقافية في ملفات مثل الهجرة والتعددية الثقافية والعولمة التي تثير بطبعها جدلا حادا بما قد يؤثر على التضامن الاجتماعي وهو ما سيجعل أوروبا أمام تحديات جمّة في المرحلة المقبلة سيكون لها ارتداداتها لا على الداخل الأوروبي فحسب بل على علاقاتها الدولية التي ستكون مبنية وفق سياق ومنطق آخر متغيّر.
هاشم بوعزيز
أذنت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي بدخول القارة العجوز مرحلة سياسية أخرى لن تكون تمظهراتها وارتداداتها كما كانت عليه أوروبا قبلها مع اكتساح أحزاب أقصى اليمين أو ما يطلق عليها باليمين المتطرف هذا الاستحقاق الانتخابي وبروزها كقوة أولى وفي أسوإ الأحوال كقوة رئيسية لا في هذا المجلس فحسب بل في الدول التي عادة ما تحسب على اليسار أو الوسط فإذا بالموجة اليمينيّة تشملها وتأخذ في التمدد والتوسع وسط ترقب لنتائج هذا الصعود التاريخي الذي شكّل زلزالا سياسيا في عديد البلدان.
فبكل المقاييس يعكس هذا الصعود التاريخي للأحزاب اليمينيّة تحولا ديمقراطيا هاما في المشهد السياسي الأوروبي، ويُعَدّ تحديا للأحزاب التقليدية وللديمقراطية الأوروبية بشكل عام، وهو إلى ذلك انتكاسة وتعبير واضح عن تحوّل في المزاج العام للناخب الأوروبي الذي يعاقب بهذا التصويت سياسات وخيارات حكّامه في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وارتفاع معدلات التضخم وتفاقم البطالة إضافة إلى عنصر أصبح محدّدا في توجهات الأوروبيين وهو ملف المهاجرين .
فنقيضا للأحزاب الكلاسيكية، ترفع أحزاب اليمين المتطرف شعارات موغلة في الشوفينية مرتبطة بالمعطى الهووي بدعوى حماية الثقافة والهوية والسيادة الوطنية إضافة إلى لعبها على ملف الهجرة وهو ما يجعل خطابها مسموعا لدى الناخب الأوروبي في سياق الأزمة الراهنة التي يحمّل فيها مسؤولية الأزمات المتتالية للحكومات الحالية، غير أن صعود هذه الأحزاب يعتبر في المقابل تحديا للديمقراطية الأوروبية ولمبادئ الاتحاد الأوروبي التي ترتكز على التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ولا شكّ أن الديمقراطية الأوروبية ستكون على المحكّ في المرحلة المقبلة مع صعود هذه التيارات اليمينية القصووية انطلاقا من تغيير التوازنات السياسية والقوى داخل البرلمان الأوروبي، حيث سيتزايد تأثير الأحزاب اليمينية ويتراجع تأثير الأحزاب التقليدية بما يعكس تغيرات في اتجاهات الناخبين واستجابتهم لقضايا معينة متعلقة أساسا بالتحديات الاقتصادية والهجرة والأمن، علاوة على ما يطرحه ذلك من مخاوف بشأن تماسك الاتحاد الأوروبي ذاته وتكامله، فالأحزاب اليمينية تعبّر عن معارضة تجاه التكامل الأوروبي وقد تؤثر على قرارات الاتحاد الأوروبي واتفاقياته الدولية وتعزز الانشقاقات السياسية بين الدول الأعضاء.
وبعيدا عن السياقات الأوروبية في مفهومها المؤسساتي الشامل، فإن صعود هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة وما ترفعه من شعارات متعلقة بقضايا الهوية الوطنية والهجرة ستكون بلا شك في صدارة أجنداته السياسية، سيغفل في المقابل قضايا أخرى هي من صميم اهتمام المجتمعات الأوروبية مثل التوازن بين الحقوق والحريات الفردية والتحديات الاقتصادية وقد يؤدي إلى تراجع الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والبيئية وحقوق الإنسان وقد يفرز كذلك تصاعدا للانقسامات الاجتماعية والثقافية في ملفات مثل الهجرة والتعددية الثقافية والعولمة التي تثير بطبعها جدلا حادا بما قد يؤثر على التضامن الاجتماعي وهو ما سيجعل أوروبا أمام تحديات جمّة في المرحلة المقبلة سيكون لها ارتداداتها لا على الداخل الأوروبي فحسب بل على علاقاتها الدولية التي ستكون مبنية وفق سياق ومنطق آخر متغيّر.
هاشم بوعزيز
