مع الشروق .. خدعة... «حلّ الدولتين» !

مع الشروق .. خدعة... «حلّ الدولتين» !

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/02/07

وفق توزيع محكم للأدوار يمضي المزاد الأمريكي ـ الصهيوني بخصوص الوضع ما بعد حرب غزة.. وفي حين تلهج الادارة الأمريكية صباحا مساء بحل الدولتين كمخرج منطقي لهذه الحرب الذي زلزلت المنطقة والعالم وأرسلت من خلالها المقاومة الباسلة رسالة واضحة مفادها أن الوضع بعد السابع من أكتوبر لن يعود كما كان قبله.. في هذا الوقت يتظاهر ـ نتنياهو ـ برفض هذه الفكرة جملة وتفصيلا، بل ويمضي حدّ سحب الاعتراف من اتفاقية أوسلو على ما فيها من حيف في حق الفلسطينيين وما فيها من تقليم لأظافر السلطة الفلسطينية ما حوّلها إلى شبه حارس أمين لأمن الصهاينة.. رئيس حكومة الكيان يصعّد عروضه في المزاد ويؤكد أنه لا مكان على أرض «إسرائيل» أرض فلسطين التاريخية لشيء اسمه «دولة فلسطينية».. لأن هذه الدولة توجد في المخيال الصهيوني في صحراء سيناء بعد تهجير سكان قطاع غزة إليها.. وفي شرقي الأردن بعد تهجير سكان الضفة الغربية إليها.. ليتفرّغ فيما بعد لاستكمال انجاز ما يسمى «إسرائيل الكبرى» الممتدة بين النيل والفرات بعد أن باتت اللحظة التاريخية والسياسية سانحة وبعد أن دانت أمور العرب وتوزعوا بين مطبع خانع ومستسلم خاضع ومستكين بائع (للقضية)..
وسط هذا المزاد تتحرّك إدارة الرئيس بايدن ويكرّر مسؤولوها زياراتهم إلى المنطقة لاغراء الدول العربية المحورية بالمضي في طريق التطبيع لاعطائها ورقة اغواء للكيان حتى يمضي في نهج الحل الأمريكي.. ووسط هذا المزاد يواصل نتنياهو بهلوانياته ويستعرض عضلاته وان كانت المؤشرات تشي بأنه في طريقه لتنقية صفوف حكومته من رموز اليمين المتطرف (بن غفير وسموتريتش) استجابة للضغوط الأمريكية وبالتالي تمهيدا للاستدارة في اتجاه القبول بالعرض الأمريكي إذا وجد طريقة تبقيه في السلطة وتحصّنه من الملاحقات القضائية وتضمن له في نفس الوقت حلاّ يتيح للكيان التخلص من صداع القضية الفلسطينية ويضمن تطبيع وضعه في نسيج المنطقة ويؤمن له بسط نفوذه وهيمنته على المنطقة برمتها ويتيح له سبلا أخرى لعبور طريق الهند أوروبا من جهة وللانصراف إلى انجاز ما يسمى «إسرائيل الكبرى» من جهة أخرى.
ولقد بدا واضحا للصهاينة استحالة تحقيق الهدفين المعلنين للحرب: القضاء على حركة المقاومة الاسلامية حماس وتخليص الرهائن.. وهو ما كانت أكدته الادارة الأمريكية ونصحت ـ صنيعتها ـ باستحالة تحقيق الهدفين وبعدم الاندفاع إلى حرب برية. وعند هذه النقطة فإن ـ موّال ـ حلّ الدولتين الأمريكي سوف ينتهي بأن يلاقي هوى في أنفس وفي حسابات الصهاينة.. لأنه سوف يتيح لهم فرصة الالتفاف على المطالب الوطنية المشروعة وعلى الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وأخذ كل ما يريدون من «الدولة الفلسطينية» المقترحة ومن الجيران العرب بثمن بخس جدا إن لم نقل بدون مقابل. وبذلك يحققون بالمخاتلة وبضغوط أمريكا ما عجزوا عن تحقيقه بقوة الحديد والنار..
لماذا؟ لأن الإدارة الأمريكية حين تتحدث عن حل الدولتين فهي لا تُفصّل في الاقتراح وتترك المسألة إلى الغرف المظلمة التي يلتقي فيها المفاوضون.. وفي المخيال الأمريكي فإنه لا مكان في المفاوضات المرتقبة ولا في الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها لشيء اسمه المقاومة بكل تلويناتها ولا لشيء اسمه قرارات الشرعية الدولية كأسس وكمرجعية للحل.. كما أن القاموس الأمريكي لحل الدولتين خال من دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية تبسط سيطرتها الفعلية على أرضها وعلى سمائها وعلى باطن أرضها.. دولة أو شبه دولة منزوعة السلاح، منزوعة الأظافر، على فتات أرض يقبل الصهاينة «التنازل» عنها وتقبل ببقاء المستوطنات وتخضع لـ«ضرورات توسيعها».. وتقبل بأن تكون حارسا أمينا لأمن المستوطنات ولراحة الكيان في مواجهة تطلعات وطنية لأبناء الشعب الفلسطيني.. وبذلك تقبر القضية نهائيا بأياد «فلسطينية» وبتخطيط أمريكي ـ صهيوني.
هذا حساب الحقل الأمريكي ـ الصهيوني اما حساب البيدر الفلسطيني فإنه مختلف تماما.. والمقاومة الفلسطينية بكل مكوناتها والشعب الفلسطيني بكل فصائله وأحزابه وبشخصياته الوطنية يملك من الخبرة ومن الجرأة ما يكفي لاجهاض هذه الخدعة التي تروجها إدارة بايدن وتغلفها بغطاء «حلّ الدولتين». فبعد كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني على مدى 75 عاما وبعد التضحيات التي قدمها أهالي القطاع وأهالي الضفة بعد طوفان الأقصى وبعد الانتصارات الباهرة التي تحقّقت وكسرت شوكة الصهاينة وأسقطت إلى غير رجعة أكذوبة «الجيش الصهيوني الذي لا يقهر»، فإن كل الخدع الأمريكية والمناورات الصهيونية سوف تتكسّر على صخرة الصمود الفلسطيني إلى حين انتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية كاملة كما حددتها الشرعية الدولية وكما يعليها ويعلنها أبطال المقاومة.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك