قصة "باندي" القاتل المتسلسل الذي رَوّعَ الامريكان وأذهل ادارة السجون والقضاة
تاريخ النشر : 21:50 - 2024/08/26
فلوريدا في 23 فيفري 1976، أمام المحكمة الثالثة للمنطقة في مدينة سولت ليك
غصت القاعة بآلاف الحاضرين والمئات من مراسلي وسائل الإعلام. كانت الأنفاس تتنازعها الرهبة والترقب. تنتظر نطق القاضي "إدوارد كوارد" بالحكم على تيد باندي، القاتل المتسلسل الذي حيّر الولايات المتحدة قبل التمكن منه وأدهشها منذ القبض عليه. أستهل القاضي حكمه بالكلمات التالية: "أعترف أنني فكرتُ كثيرًا في أنه لا بد من إعادة النظر في عقوبة الإعدام، لكن بالنسبة لك، فأنا أرى أنك لا بدّ أن تُعدَم، توضَع على كرسي كهربائي وتحترق حتى الموت، لأن الجرائم التي ارتكبتها كانت خبيثة وشريرة للغاية. ورغم ذلك أريدك أن تعرف أنني لا أكنّ لك أي عداء، وأتمنى أن يبارك الله قلبك. أنا حزين على ما أهدرناه هنا من طاقة إنسانية تملكها. أنت شاب ذكي، كنت ستصبح محاميًا ماهرًا، فقد كنت مُستمتعًا بحق وأنت تُمارس المحاماة أمامي، لكنك اخترت طريقًا آخر، وأنا لم يعد بوسعي أن أفعل أي شيء لأساعدك". كانت هذه الكلمات المقتضبة تُجسد بوضوح ذلك التناقض الرهيب بين الشر البشري والاحتمالات الضائعة.
تيد باندي القصة الكاملة
في ليالي شتاء سياتل الحالكة، كانت المدينة تغفو في سكون حذر تستشعر الشر الكامن بين الظلام الدامس. لا يخفف من وطأته إلا أعمدة النور المنصوبة أمام المحلات التجارية أو وميض السيارات العابرة فتضيء المكان لوهلة وتبث الرعب في الوقت نفسه إلى أن تواصل سيرها بعيدا. فقد كانت المدينة تضج بالرعب والريبة من سفاح مجهول يقتل الفتيات بوحشية ولا يترك خلفه أثرا أو دليلا سوى ضحاياه.
لم يكن أحد يتوقع أن يكون الشاب الوسيم تيودور روبرت باندي ذو الابتسامة الساحرة والعينين الزرقاوين الصافيتين، يخفي وراء قناع اللطف والكاريزما وحشًا متعطشًا للدماء. كان تيد باندي يمثل تجسيدًا حيًا للتناقض المرعب: الجمال الظاهري الذي يخفي قبحًا داخليًا لا يوصف. بدأت القصة في أواخر الستينيات، حين بدأت حالات الاختفاء الغامض للفتيات الجامعيات تتكرر بشكل مريب. لم تكن الشرطة تدرك آنذاك أنها تواجه واحدة من أكثر سلاسل الجرائم رعبًا في التاريخ الأمريكي الحديث. نمط الاختفاءات يرسم صورة مخيفة: شابات جميلات، ذوات شعر طويل مقسوم من المنتصف، يختفين دون أثر. مع مرور الأيام، بدأت الشائعات تنتشر كالنار في الهشيم. همسات خافتة عن "القاتل المجهول" بدأت تتردد في أروقة الجامعات وفي المقاهي وعلى أرصفة الشوارع. أصبح الخوف رفيقًا دائمًا للطالبات، يلاحقهن في كل خطوة ويتربص بهن في كل ظل. وسط هذا الجو المشحون بالرعب، كان تيد باندي يمضي في حياته بثقة مذهلة، طالبًا متفوقًا في كلية القانون، وناشطًا سياسيًا واعدًا. يتنقل بين الناس بسحر آسر، يبتسم ويضحك ويمزح، وكأنه لم يكن هو نفسه مصدر الرعب الذي يجتاح المدينة. كانت براعة باندي في التمويه مذهلة. استخدم جاذبيته وذكاءه كسلاح فتاك. يرتدي جبيرة أو يحمل عكازات متظاهرا بالإصابة، يطلب المساعدة من الفتيات بابتسامة عذبة وعينين براقتين. وما إن تقترب الضحية، حتى ينقض عليها كوحش من قصص مصاصي الدماء. كانت كل جريمة يرتكبها باندي تمثل فصلاً جديدًا في ملحمة الرعب التي كان يكتبها بدماء ضحاياه. كل فتاة تختفي كانت تضيف لوحة جديدة إلى معرض الفزع الذي كان يرسمه في مخيلة المجتمع.
في عام 1975، حدث ما بدا وكأنه معجزة. نجت إحدى ضحايا باندي من براثنه. كارول دارانش، الفتاة التي واجهت الوحش وعادت لتروي الحكاية. وصفها الدقيق لباندي كان بمثابة شرارة أشعلت التحقيق. للمرة الأولى، كان لدى الشرطة وجه لشبح سياتل المرعب. لكن باندي، بدهائه المعهود، كان دائمًا خطوة واحدة في المقدمة. عندما ألقي القبض عليه، تمكن من الهروب مرتين من السجن. كان هروبه يمثل صفعة قوية لنظام العدالة، وإعادة إحياء للكابوس الذي كان المجتمع يأمل أن ينتهي. خلال فترة هروبه الثانية، ارتكب باندي سلسلة من الجرائم الوحشية في فلوريدا. كانت ذروة جنونه الدموي عندما اقتحم سكنًا للطالبات في جامعة فلوريدا الحكومية. في تلك الليلة المشؤومة، تحول السكن الهادئ إلى مسرح لمأساة دموية. صرخات مكتومة وأصوات ارتطام خافتة كانت الشهود الصامتين على الفظائع التي ارتكبها باندي. لكن الضربة القاضية لباندي جاءت عندما خطف كيمبرلي ليتش، فتاة في الثانية عشرة من عمرها. أثار هذا العمل أثار غضب المجتمع الأمريكي بأكمله، وحفز الشرطة للعمل بجد أكبر من أي وقت مضى ليتم في النهاية القبض على باندي.
في المحكمة، قدم السفاح الوسيم عرضًا مسرحيًا أذهل الجميع. رفض تعيين محامٍ وقرر الدفاع عن نفسه. كان يتحرك في قاعة المحكمة بثقة الممثل المحترف، يلقي بالحجج القانونية ويستجوب الشهود بمهارة المحامي المخضرم. لكن وراء قناع الثقة والبراعة والنظرات الثاقبة التي يرمق الشهود والقضاة، كان هناك وحش يائس يحاول الهروب من مصيره المحتوم. كانت عيناه تلمعان بنظرة غريبة، مزيج من الغرور والخوف والجنون والأنفة. كان كل حاضر في قاعة المحكمة يشعر بالقشعريرة كلما نظر إلى تلك العينين، وكأنهم ينظرون مباشرة إلى أعماق الشر الذي سكن روحه.
في النهاية، لم تنطلِ ألاعيب باندي على هيئة المحلفين. تم إدانته وحُكم عليه بالإعدام. وبينما كان ينتظر تنفيذ الحكم، بدأ باندي في الكشف عن بعض أسرار جرائمه. اعترف بارتكاب 30 جريمة قتل، لكن المحققين كانوا على يقين من أن العدد الحقيقي أكبر بكثير. كانت اعترافات باندي بمثابة رحلة مروعة إلى عقل مختل. وصف بتفاصيل مقززة كيف كان يختار ضحاياه، وكيف كان يستدرجهن، وكيف كان يقتلهن. كان يتحدث عن أفعاله الشنيعة بنبرة هادئة، وكأنه يصف يومًا عاديًا في العمل. كان هذا التناقض بين فظاعة أفعاله وهدوء وصفه لها هو ما جعل اعترافاته أكثر رعبًا. في 24 جانفي 1989، حان وقت العدالة. خارج سجن ولاية فلوريدا، تجمع حشد كبير. كان الجو مشحونًا بمزيج غريب من المشاعر: الغضب، والحزن، والارتياح. وبينما كانت الشمس تشرق على يوم جديد، تم تنفيذ حكم الإعدام في تيد باندي. لحظة إعدام باندي كانت لحظة فارقة في التاريخ الأمريكي.

فلوريدا في 23 فيفري 1976، أمام المحكمة الثالثة للمنطقة في مدينة سولت ليك
غصت القاعة بآلاف الحاضرين والمئات من مراسلي وسائل الإعلام. كانت الأنفاس تتنازعها الرهبة والترقب. تنتظر نطق القاضي "إدوارد كوارد" بالحكم على تيد باندي، القاتل المتسلسل الذي حيّر الولايات المتحدة قبل التمكن منه وأدهشها منذ القبض عليه. أستهل القاضي حكمه بالكلمات التالية: "أعترف أنني فكرتُ كثيرًا في أنه لا بد من إعادة النظر في عقوبة الإعدام، لكن بالنسبة لك، فأنا أرى أنك لا بدّ أن تُعدَم، توضَع على كرسي كهربائي وتحترق حتى الموت، لأن الجرائم التي ارتكبتها كانت خبيثة وشريرة للغاية. ورغم ذلك أريدك أن تعرف أنني لا أكنّ لك أي عداء، وأتمنى أن يبارك الله قلبك. أنا حزين على ما أهدرناه هنا من طاقة إنسانية تملكها. أنت شاب ذكي، كنت ستصبح محاميًا ماهرًا، فقد كنت مُستمتعًا بحق وأنت تُمارس المحاماة أمامي، لكنك اخترت طريقًا آخر، وأنا لم يعد بوسعي أن أفعل أي شيء لأساعدك". كانت هذه الكلمات المقتضبة تُجسد بوضوح ذلك التناقض الرهيب بين الشر البشري والاحتمالات الضائعة.
تيد باندي القصة الكاملة
في ليالي شتاء سياتل الحالكة، كانت المدينة تغفو في سكون حذر تستشعر الشر الكامن بين الظلام الدامس. لا يخفف من وطأته إلا أعمدة النور المنصوبة أمام المحلات التجارية أو وميض السيارات العابرة فتضيء المكان لوهلة وتبث الرعب في الوقت نفسه إلى أن تواصل سيرها بعيدا. فقد كانت المدينة تضج بالرعب والريبة من سفاح مجهول يقتل الفتيات بوحشية ولا يترك خلفه أثرا أو دليلا سوى ضحاياه.
لم يكن أحد يتوقع أن يكون الشاب الوسيم تيودور روبرت باندي ذو الابتسامة الساحرة والعينين الزرقاوين الصافيتين، يخفي وراء قناع اللطف والكاريزما وحشًا متعطشًا للدماء. كان تيد باندي يمثل تجسيدًا حيًا للتناقض المرعب: الجمال الظاهري الذي يخفي قبحًا داخليًا لا يوصف. بدأت القصة في أواخر الستينيات، حين بدأت حالات الاختفاء الغامض للفتيات الجامعيات تتكرر بشكل مريب. لم تكن الشرطة تدرك آنذاك أنها تواجه واحدة من أكثر سلاسل الجرائم رعبًا في التاريخ الأمريكي الحديث. نمط الاختفاءات يرسم صورة مخيفة: شابات جميلات، ذوات شعر طويل مقسوم من المنتصف، يختفين دون أثر. مع مرور الأيام، بدأت الشائعات تنتشر كالنار في الهشيم. همسات خافتة عن "القاتل المجهول" بدأت تتردد في أروقة الجامعات وفي المقاهي وعلى أرصفة الشوارع. أصبح الخوف رفيقًا دائمًا للطالبات، يلاحقهن في كل خطوة ويتربص بهن في كل ظل. وسط هذا الجو المشحون بالرعب، كان تيد باندي يمضي في حياته بثقة مذهلة، طالبًا متفوقًا في كلية القانون، وناشطًا سياسيًا واعدًا. يتنقل بين الناس بسحر آسر، يبتسم ويضحك ويمزح، وكأنه لم يكن هو نفسه مصدر الرعب الذي يجتاح المدينة. كانت براعة باندي في التمويه مذهلة. استخدم جاذبيته وذكاءه كسلاح فتاك. يرتدي جبيرة أو يحمل عكازات متظاهرا بالإصابة، يطلب المساعدة من الفتيات بابتسامة عذبة وعينين براقتين. وما إن تقترب الضحية، حتى ينقض عليها كوحش من قصص مصاصي الدماء. كانت كل جريمة يرتكبها باندي تمثل فصلاً جديدًا في ملحمة الرعب التي كان يكتبها بدماء ضحاياه. كل فتاة تختفي كانت تضيف لوحة جديدة إلى معرض الفزع الذي كان يرسمه في مخيلة المجتمع.
في عام 1975، حدث ما بدا وكأنه معجزة. نجت إحدى ضحايا باندي من براثنه. كارول دارانش، الفتاة التي واجهت الوحش وعادت لتروي الحكاية. وصفها الدقيق لباندي كان بمثابة شرارة أشعلت التحقيق. للمرة الأولى، كان لدى الشرطة وجه لشبح سياتل المرعب. لكن باندي، بدهائه المعهود، كان دائمًا خطوة واحدة في المقدمة. عندما ألقي القبض عليه، تمكن من الهروب مرتين من السجن. كان هروبه يمثل صفعة قوية لنظام العدالة، وإعادة إحياء للكابوس الذي كان المجتمع يأمل أن ينتهي. خلال فترة هروبه الثانية، ارتكب باندي سلسلة من الجرائم الوحشية في فلوريدا. كانت ذروة جنونه الدموي عندما اقتحم سكنًا للطالبات في جامعة فلوريدا الحكومية. في تلك الليلة المشؤومة، تحول السكن الهادئ إلى مسرح لمأساة دموية. صرخات مكتومة وأصوات ارتطام خافتة كانت الشهود الصامتين على الفظائع التي ارتكبها باندي. لكن الضربة القاضية لباندي جاءت عندما خطف كيمبرلي ليتش، فتاة في الثانية عشرة من عمرها. أثار هذا العمل أثار غضب المجتمع الأمريكي بأكمله، وحفز الشرطة للعمل بجد أكبر من أي وقت مضى ليتم في النهاية القبض على باندي.
في المحكمة، قدم السفاح الوسيم عرضًا مسرحيًا أذهل الجميع. رفض تعيين محامٍ وقرر الدفاع عن نفسه. كان يتحرك في قاعة المحكمة بثقة الممثل المحترف، يلقي بالحجج القانونية ويستجوب الشهود بمهارة المحامي المخضرم. لكن وراء قناع الثقة والبراعة والنظرات الثاقبة التي يرمق الشهود والقضاة، كان هناك وحش يائس يحاول الهروب من مصيره المحتوم. كانت عيناه تلمعان بنظرة غريبة، مزيج من الغرور والخوف والجنون والأنفة. كان كل حاضر في قاعة المحكمة يشعر بالقشعريرة كلما نظر إلى تلك العينين، وكأنهم ينظرون مباشرة إلى أعماق الشر الذي سكن روحه.
في النهاية، لم تنطلِ ألاعيب باندي على هيئة المحلفين. تم إدانته وحُكم عليه بالإعدام. وبينما كان ينتظر تنفيذ الحكم، بدأ باندي في الكشف عن بعض أسرار جرائمه. اعترف بارتكاب 30 جريمة قتل، لكن المحققين كانوا على يقين من أن العدد الحقيقي أكبر بكثير. كانت اعترافات باندي بمثابة رحلة مروعة إلى عقل مختل. وصف بتفاصيل مقززة كيف كان يختار ضحاياه، وكيف كان يستدرجهن، وكيف كان يقتلهن. كان يتحدث عن أفعاله الشنيعة بنبرة هادئة، وكأنه يصف يومًا عاديًا في العمل. كان هذا التناقض بين فظاعة أفعاله وهدوء وصفه لها هو ما جعل اعترافاته أكثر رعبًا. في 24 جانفي 1989، حان وقت العدالة. خارج سجن ولاية فلوريدا، تجمع حشد كبير. كان الجو مشحونًا بمزيج غريب من المشاعر: الغضب، والحزن، والارتياح. وبينما كانت الشمس تشرق على يوم جديد، تم تنفيذ حكم الإعدام في تيد باندي. لحظة إعدام باندي كانت لحظة فارقة في التاريخ الأمريكي.