مع الشروق .. المنعرج الحاسم

مع الشروق .. المنعرج الحاسم

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/07/04

تخوض فرنسا هذا الأحد جولتها الثانية من الانتخابات التشريعية إثر جولة أولى شكّلت ما يشبه الزلزال السياسي الذي كان مرتقبا بصعود اليمين المتطرف وتصدّره نتائج التصويت بأكثر من 33 بالمائة وهو الحدث الذي سيكون له ما بعده داخليا وكذلك على مستوى السياسة الخارجية في ظل طروحات الأحزاب اليمينية التي تعرف حالة غير مسبوقة من الشوفينية والانغلاق والتقوقع على الذات برفع شعارات مغرقة في القصووية تتغذى أساسا من مفاهيم الهوية.
وعلى عكس ما تلمّح له بعض القراءات، لا تلوح الطريق سالكة أمام الأحزاب اليمينية الفرنسية خصوصا إذا ما أخذنا بالحسبان التقاليد السياسية في إقامة التحالفات المناهضة لذلك التيار بالتحديد متى ما تم استشعار الخطر المجتمعي والسياسي الذي قد ينجر عن وصولهم إلى السلطة الذي سيغذي الانقسامات في بلد متعدد الأعراق والأديان في حين أن شعارات اليمين تبدو مغرقة في خطاب الهوية ومناهضة الوافدين على فرنسا المختلطة من المهاجرين هذا دون الحديث عن أزمة الحكم التي يمكن أن تنجر عن سيناريو عدم حصولهم على الأغلبية المريحة في الجمعية الوطنية وهو ما سيفتح الباب إما إلى سيناريو التعايش أو حالة من التعطيل.
هذا الصعود لحزب التجمع الوطني الفرنسي المتشدّد في طروحاته يأتي في سياق تشهد فيه أوروبا انزياحا نحو اليمين في عدد من الدول وهو ما أكدته كذلك نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي وهو نتاج طبيعي لحالة عدم الرضا الشعبي عن السياسات الحكومية الغربية وعن أداء الأحزاب التقليدية التي مارست وتمارس الحكم وهو ما خلق هذه الأرضية الملائمة لنشأة طروحات يمينية متطرفة نتيجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نتجت عن منظومة الحكم الغربية الراهنة الذي أعاد السرديات المتشدّدة التي تلعب على أخطاء الحاكم وتغازل عواطف الناخبين دون برنامج إنقاذ حقيقي إلى الواجهة.
وإذا كان ما يحدث في الساحة السياسية الفرنسية تعبيرا واضحا عن عدم رضا الناخب الغربي على حصيلة منظومات الحكم التقليدية التي فشلت في إيجاد حلول واقعية للأزمات الاقتصادية خصوصا إثر الحرب الأوكرانية، فإنها كذلك تكشف عن تيار كامل يسود لا أوروبا فقط بل عديد الدول في العالم من إفريقيا إلى القارة الأمريكية التي عادت إلى خطاب الهوية والسيادة والقومية وهو ما يؤكد أن العالم بأسره مقدم على تحولات استراتيجية في سبل إدارة الحكم وفي الخطاب المعتمد وهو ما سيكون له أثره على النظام الدولي القائم اليوم وسيسرّع في المتغيرات الحاصلة.
وإذا ما كانت الحالة كذلك، فلا بد على الدول العربية أن لا تكون على هامش التحولات الحاصلة في أوروبا وفي عديد الدول مع تغير الشعارات التي ستنعكس لا محالة على السياسات وهو ما يتطلب الوحدة والتحرك ككتلة واحدة لأن التشرذم الحالي لن يقود إلا إلى مزيد من التفتت وسيساهم في تقوية القوى التي تتربص بالأمة وفي تغذية الأجندات التي تحاك لها وهو ما يتطلب اليقظة وحسن الاستعداد لأن ما يحصل اليوم في أي بقعة من بقاع العالم له ضرورة ارتدادات على الجميع.
هاشم بوعزيز
 

تعليقات الفيسبوك