احتكار الدولة لتصفية الفساد، عبر القضاء، هو السبيل الوحيدة لإنقاذ مسار 25 جويلية وإنقاذ تونس

احتكار الدولة لتصفية الفساد، عبر القضاء، هو السبيل الوحيدة لإنقاذ مسار 25 جويلية وإنقاذ تونس

تاريخ النشر : 16:57 - 2021/08/25

إن اختصاص الدولة الحصري في شأن القضاء على الفساد وعبر القضاء وبعيدا عن سرديات النماذج الدولية الخبيثة والمخاتلة والمزورة للعقول، وهو ما عبرنا عنه بكلمة احتكار، وإن كان لفظا مقلقا لما تعلق به دوما من جرائم، مهمة وطنية عليا وحتمية لا يستقيم دونها أي كلام ولا أي فعل جاد وعميق حيال أحد أعتى أسلحة الخراب وهو الفساد الذي عرفناه سابقا بأنه استخدام لكل أنواع السلطة الإجرامية لغير مصلحة الوطن والشعب. 
هذا الاختصاص الحصري هو من قبيل احتكار الدولة لاستعمال العنف الشرعي طبق القانون، وان كانت هذه العبارات أيضا مقلقة في أزمنة هشاشة التصورات حول الديمقراطية والسيادة، ومن قبيل احتكار الدولة لمقاومة الإرهاب وتجفيف منابعه في أزمنة رخاوة مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان وحيث لاحياد ولا لغو معايير دولية ومقاييس منظمات أممية وما إلى هنالك، وأغلبها ضالع في أبشع الجرائم الإرهابية إلى جانب الدول الإرهابية العظمى. ولذا استخدمنا في العنوان كلمة تصفية تماما مثل تصفية الاستعمار وكل قضاء عليه شرعي. ولذلك أيضا قلنا عبر القضاء ووفق القانون ومن أجل تجفيف منابعه لأن الفساد مثل الإرهاب ينشأ ويصنع كما كنا دوما نكتب من أجل أربع وظائف وهي الوظيفة السياسية والوظيفة الاقتصادية والوظيفة الانتخابية والوظيفة الأمنية.
 وبالتالي فهو ظاهرة معولمة بل عامل فوق وطني ويتجاوز حدود الوطن ويراد منه تجاوز قدرة الدولة والخروج عن نطاق إمكانيات الإرادة السياسية والشعبية واستحالة المقاومة أو الاستسلام ضمن إخراج سيناريوهات دستورية وقانونية وسياسية محددة، وكلها إجرامية وتابعة. وقد يجادل أحدهم هنا بالقول ان الدولة قد تكون هي الفاسدة أو بالأحرى تكون أجهزتها فاسدة ويكون القضاء فيها فاسدا وبالتالي تكون حربا خاسرة وهذا الجدال موجود بطبعه في عدة دول ومن قديم الزمان وفي حلقة مفرغة إلا عند من اتخذ قراره بمصلحة الوطن والشعب مهما كانت الأخطاء والتضييقات والتهديدات والاملاءات، وفي الغالب الأعم تكون رحلة النضال القضائي معدلة لنفسها بنفسها وتكون الدول مصارعة لنفسها بنفسها  في شؤونها الداخلية وتكون الشعوب في حالة مقاومة دائمة، وفي القاعدة تكون الأنظمة السياسية الحاكمة هي المسؤولة. وهنا يأتي دور الشعوب بنفسها لتسقط مثل هذه الأنظمة وتقيم أنظمة أخرى في حرب تحرر وطني متواصل تواصل الهيمنة وعدم التوازن ونفوذ سياسات الاستعمار والنهب والتفقير والتجويع واخضاع الدول والشعوب وتواصل الفاسدين المحليين الذي يكونون في القاعدة العامة من فئة الوكلاء العملاء. وفي مطلق الأحوال تكون انحرافات الدول وأجهزة الدول وخاصة من ناحية الاستبداد ومن ناحية غياب العدالة ومن ناحية الاستئثار  بمقدرات الأوطان والشعوب دائما أقل كلفة من فوضى الفساد العارمة والمعممة والتي تدمج فيها وسائل العنف الأخرى كلها من الإرهاب إلى الحرب الأهلية والتقسيم ويأخذ ذلك سنين طويلة وتضحيات قاسية جدا وكوارث كبرى.
 واننا اليوم نكافح بمعية غالبية التونسيين من أجل نظام حكم وطني وسيادي ديمقراطي وشعبي ينتصر في حرب الإفساد الشاملة والفساد ظاهرة من مظاهرها ونعتبرها فرصة عظمى إذا ضاعت فسوف نتحمل جميعا كلفتها الباهضة وقد تضيع بمجرد هذا المسلك الحالي والموجود منذ سنوات في ما يسمى مكافحة ومقاومة الفساد. 
وعلى ذلك كنا دائما ننبه إلى حقيقة أن الفساد نابع من التبعية للخارج ومن بنى الاستعمار الداخلية في الإدارة والحوكمة والتسيير وآليات العمل والسياسات العمومية والخارجية والمجلات القانونية والمعاملات ومنظومات المراقبة والمحاسبة والتحكيم والتمكين وكل تفاصيل عالم الإنتاج والتوزيع والاستغلال والاستثمار والتجارة والمضاربة وتنظيم الاقتصاد والمالية عموما وتنظيم مؤسسات الدولة وحركة رأس المال ومناخات الأعمال وإدارة الملكيات وعلاقاتها والثروات ومصادرها والتصرف فيها وغير ذلك وصولا إلى عالم المحاكم والمحاسبات والتصرف والانتخابات.
 وحقيقة ان الفساد التابع يجعل كل مصالح الأقليات العميلة والفاسدة تسير بالضرورة وفق مخططات جرائمها طالما بلادنا مرتهنة وطالما حكامنا رهائن طوعا وكرها وطالما اقتصادنا وماليتنا تابعان وعائمان في دورة رأس المال المعولم بكل أنواعه بلا أدنى حدود، ما يفاقم انتشار الأعمال الإجرامية الفاسدة على نطاق واسع لأسباب شتى وثانوية محلية تكون من نتائج نماذج التبعية وسبب جوهري هو رأس الداء وهو ارتباط كل مصالح الفاسدين ووكلاء إدارة شؤون الاستعمار تماما مثل إدراة السياسة والاقتصاد والأعمال والإعلام والأمن والثقافة... من خلال عقلية الفساد وقابلية الفساد وسياسات الفساد الموجهة ضد تونس وغيرها من الخارج وأدوات الداخل الوظيفية لا لشيء إلا لمصالح هيمنة اقتصادية وسياسية واستراتيجية معلومة. 
اننا نعيد اليوم التأكيد والتنبيه إلى ماهية قضية الفساد ثلاثيا:
أولا هو طعم سياسي موجه ومركب ودائما ما كنا نصرخ ونقول: الفساد وليس ملفات الفساد. وثانيا هو فخ سيادي من قبيل واقع الهيمنة والاخضاع أي فخ أمام السيادة إذا حاربته تصبح من جماعة نظرية المؤامرة بينما الفساد واقع تآمر وجريمة وخيانة وإذا لم تقاومه أصبحت انت الفاسد والخائن والعميل. وثالثا هو آلية استعمار وتخريب أخطر من الإرهاب ولا ينجح إلا بنموذج التوقي السيادي وبناء الدولة المقتدرة وذات الشوكة والنظام السياسي السليم الذي يساعد على الاختيارات الشعبية السليمة وليس بنموذج التمييع والتعويم والفوضى القانونية والأخلاقية التي تفتح كل الأبواب على مصراعيها للخوض في المنظومات والملفات على قارعة الطريق بما يفاقم الجرائم ويزيد على الفساد فسادا في عالم أسود أشبه بعالم مواز يدعي مكافحة الفساد بدلا عن الدولة وهذه أم الفضائح والجرائم، عالم أسود مريب مقسم إلى جزء معترف به وجزء عشوائي بينما كل منهما مشبوه وغير طبيعي.
 ويتسبب في إسقاط الدول والمجتمعات في كذبة كبرى تبدو طهورية مبهرة في كشف الفاسدين بينما هي في الحقيقة إضعاف للدولة بل إفساد للدولة واطاحة بكل مقدراتها وخاصة الاقتصادية حتى تكون ضمن النموذج السياسي والاقتصادي والجيوسياسي المطلوب خارجيا من الدول التي تسهر على تمويل وحماية صناع النزاهة والشفافية والحوكمة الرشيدة وحسن التصرف وإلى آخره من مصطلحات وفرسان محاربة الفساد لحماية وضمان مصالحها وأرباحها ونفوذها فإذا فتحت الباب منع عليك نهائيا التصرف في أي سياسة وطنية سيادية تريدها وإذا أغلقته أسقطت بدعوى الفساد والدكتاتورية وكل القصة المعروفة وأكبر النماذج على ذلك في أميركا الجنوبية. 
كان كل مهتم بالشأن العام يعرف منذ ما قبل سنة 2011 أن ملف الديمقراطية على الطريقة الغربية سيفتح في تونس وبعده يفتح ملف قضية الفساد وبعده ملف العملاء ودائما وأبدا وفق نظرية ومصالح الخارج عن طريق الداخل وفي سياق الحق الذي يراد به الباطل والرايات الخاطئة بدل العناوين الوطنية الفعلية ومنها القضاء على هذا الفساد ذاته والحد من استخدامه كسلاح ذو حدين.
 وعليه فإننا نطالب القائمين على حكم تونس في حالة الاستثناء بالعمل المكثف والعميق والقوي على فصل السياسة عن المال وفصل الفساد عن بعض ما يسمى منظمات المجتمع المدني وإبعاده عن الاعلام وتطهير القضاء ليقوم حصريا بدوره وتسخير كل أجهزة الدولة لخدمة العدالة والمداومة والمطاولة في هذه الطريق التي لن تكون طريقا إلا بفصل قضية الديمقراطية أيضا عن قضية الفساد ومنع تمويل ماكينات التدخل في قضية الحرب على الفساد مهما كان اسمها ومهما كان ممولها في الداخل أو في الخارج ومهما كانت ارتباطاتها في القارات الخمس وبحيث لا يتداول الناس والإعلام إلا فيما هو مفصول فيه بشروط وضمانات العدالة ومواثيق شرف المهن كلها من القضاء والمحاماة إلى الأمن والإعلام. والعمل نهاية على تطهير طريق تمثيل الشعب مستقبلا من كل تداخل بين توظيف المال والأعمال والإعلام والدين في التلاعب بمصالح الوطن والشعب زورا وبهتانا ونفاقا وعدوانا.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

إن الهدف الرئيسي من تقديم هذه المعطيات المجمعة حول الخسائر الاقتصادية والمالية للعدو من عدة مصادر
00:12 - 2024/05/03
إن آخر ما يتبادر إلى الذهن تحليل ما يجري في الجامعات الأمريكية.
21:21 - 2024/04/27
قياسنا هنا 7 أكتوبر وطوفان الأقصى واليوم الماءتان.
23:48 - 2024/04/23
تعقيبا وتعليقا على الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل كردة فعل على الهجوم الصهيوني الذي أودى باس
07:00 - 2024/04/22
تزامن عيد الفطر هذه السنة في غزة مع دخول طوفان الأقصى شهره السابع وما خلّفه العدوان الصهيوني من د
07:00 - 2024/04/22