مع الشروق .. الضمائر الحيّة تقلب المعادلات

مع الشروق .. الضمائر الحيّة تقلب المعادلات

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/11/16

لم يكن الكيان الصهيوني ليجد نفسه مطلوق الأيدي في ممارسة جرائمه الوحشية بحق المدنيين العزل في غزة لولا الضوء الأخضر الأمريكي ودعمه العسكري والإسناد الغربي السياسي والإعلامي الذي يذهب إلى حدّ تغيير الحقائق وتزييف الوعي تحت ذريعة موهومة هي الحق الشرعي في الدفاع عن النفس في حين أن القانون الدولي يسقط عنها هذه الفرضية باعتبارها قوة احتلال تمارس هذا الدور منذ قيامها إثر وعد بلفور المشؤوم في 1948.
ورغم كل ما تمّ رصده من اعتمادات جبارة للتضليل وتسويق الأراجيف إلا أن كل تلك السرديات المزعومة سقطت وتبيّن زيفها لدى الرأي العام الغربي الذي تعرض إلى حالة جارفة من الدمغجة بدأت تسقط مع تصاعد المظاهرات الحاشدة في أكبر العواصم الغربية المنددة بالإجرام الصهيوني الوحشي في قصفه المتعمد للمستشفيات واغتياله للأطفال والنساء دون حسيب ورقيب لتتحول المسيرات إلى محاكمة شعبية حقيقية ارتفع فيها سقف المطالب من المطالبة بوقف إطلاق النار إلى محاكمة الضالعين في هذه الجرائم الوحشية.
والمتابع لكيفيات صنع القرار في العواصم الغربية يدرك بوضوح دور الشارع في قلب المعادلات باعتبار أن المسيرات هي من صميم الثقافة الديمقراطية داخل تلك الدول وهي تعبيرة حقيقية عن التطلعات وليست مجرد تنفيس عن مشاعر مكبوتة ولها عظيم التأثير في رسم السياسات وهي التي بدأت اليوم تلقي بثقلها وبقوة على طاولة الحكومات التي بدأ بعضها يغيّر ولو تدريجيا مع حالة الحرج الكبرى التي تطال أقرب حلفاء الكيان المحتل نتيجة فظاعة جرائمه حتى بات رصيده من الدعم الدولي بصدد التآكل كما لمحت له إدارة بايدن التي تشير بعض كواليسها إلى أن إطالة الحرب في غزة هي مسعى من نتنياهو لإطالة أمد بقاءه في السلطة كما تحدث عنه الإعلام الأمريكي.
وبات من اليقين اليوم أن الغطاء الدولي الممنوح لإسرائيل من حلفاءها الغربين ولئن كان في جوهره وعقيدته متواصلا إلا أنه يشهد نوعا من التململ وتراجع الرصيد وهو ما بات جليا في المواقف الصادرة من بعض العواصم حيث أطاح مقال صادم بوزيرة الداخلية البريطانية بعد الانتقادات التي وجهتها للشرطة في التعامل مع من اعتبرتهم "الغوغائيين" المساندين للفلسطينيين أو كذلك في التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي ايمانوال ماكرون لقناة بي بي سي التي دعا فيها إسرائيل إلى وقف القصف الذي يقتل المدنيين في غزة وتحدث فيها عن الأطفال والنساء والشيوخ ممن يتعرضون للقصف والقتل وهي نبرة مستجدة تحت ضغط الشارع الفرنسي المتحرك بعد كل تلك التصريحات المساندة للكيان الغاصب بشكل أعمى.
ومن كواليس صياغة السياسة الخارجية الفرنسية، وقع عدد من السفراء الفرنسيين في دول الشرق وشمال افريقيا وفي بادرة غير مسبوقة على مذكرة موجهة إلى الإليزيه عبروا فيها عن أسفهم لموقف باريس من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مشيرين إلى أن الموقف المؤيد لإسرائيل في بداية الأزمة ليس مفهوما في الشرق الأوسط، لأنه يخالف الموقف الفرنسي التقليدي المتوازن من الإسرائيليين والفلسطينيين، كما تؤكد المذكرة فقدان فرنسا مصداقيتها ونفوذها، وترسم صورة سيئة لها في العالم العربي، كما أوردته صحيفة لوفيغارو نقلا عن مصدر ديبلوماسي.
ولم تقف المواقف الفرنسية الحالية عند هذه النقطة، بل امتدت إلى الحراك المدني حيث أعلن المحامي الفرنسي ذائع الصيت جيل ديفرز والخبير في القانون الدولي والمسجل بنقابة المحامين في المحكمة الجنائية الدولية عن تشكيل جيش من المحامين بلغ عددهم 300 في ظرف أيام قليلة في رقم قابل للارتفاع لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني ورفع قضية أمام محكمة الجنايات ضد الكيان الصهيوني بتهمة ممارسة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وهو ما يؤكد أنه ورغم كل ذلك الإسناد الذي قدمته عديد الحكومات الغربية فإن الخناق بدأ يضيق ضد الكيان الغاصب وحكومته الفاشية.
هاشم بوعزيز
 

تعليقات الفيسبوك