مع الشروق .. التعويل على الذات... معركة وطن ـ معركة شعب

مع الشروق .. التعويل على الذات... معركة وطن ـ معركة شعب

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/09/27

في تاريخ الشعوب تجارب ناصعة كتبتها إرادة الأحرار. تجارب عوّلت خلالها الشعوب على امكانياتها وعلى مواردها الذاتية متسلحة بسلاح سحري وفعّال اسمه التعويل على الذات.. ويحدثنا تاريخ هذه الشعوب (الصين نموذجا) بأن دولا بنت تنميتها ونهضتها وخرجت من مصاف الدول المتخلفة إلى مصاف الدول الناهضة باستعمال هذا السلاح: سلاح التعويل على الذات واستنهاض همّة وإرادة الشعب.
وعلى هذا الدرب يتحرّك رئيس الدولة في علاقة بالدوائر الغربية وبصناديق وآليات الاقراض والتمويل التابعة لها والتي تريد ارتهان سيادة البلاد وقرارها الوطني المستقل مقابل أن تجود علينا بفتات قروض وتمويلات تستغل أصلا لسداد ديون مستحقة لهذه الدوائر والجهات.. وغالبا ما توجه هذه القروض في حالة دول العالم الثالث لسداد خدمة الدين في حين تتراكم مبالغ أصل الدين وتغرق الشعوب في هذه الحلقة المفرغة التي تتخبط فيها دول وشعوب..
تحرّك تونس انتصر للسيادة الوطنية ولاستقلال القرار الوطني.. وأعلى راية التعويل على الذات.. انتصر لمبدإ تعبئة الموارد الذاتية لتسديد الالتزامات الكبرى للبلاد وقطع الطريق على كل المراهنين على اختلال التوازنات الاقتصادية وعلى غلق حنفية الاقراض الخارجي سواء كان من صناديق مثل صندوق النقد الدولي أو من دول مانحة لتركيع البلاد وتحقيق هدف استباحة السيادة الوطنية وكسر استقلالية القرار الوطني.. وبالتالي تحويل تونس إلى حديقة خلفية ترتع فيها الدول الغربية وتستباح فيها السيادة الوطنية من أجل حفنة من الدولارات.
وقد أثبتت الأحداث والوقائع وبالأرقام صحة هذا الرهان التونسي وجدوى هذا الخيار الوطني القائم على التوجه إلى التعويل على الذات وتعبئة مواردنا وطاقاتنا الداخلية والذاتية لسداد التزاماتنا مع صيانة استقلال قرارنا الوطني.. حيث تؤكد الأرقام التي عمّمها البنك المركز يوم 10 سبتمبر الجاري أن بلادنا سددت 6653٫1 مليون دينار من جملة 8945 مليون دينار مبرمجة للعام الحالي وهو ما يمثل تقريبا 75 ٪ من جملة هذه الالتزامات.. وتضيف هذه الأرقام أن موجودات تونس من العملة الصعبة بلغت 26٫4 مليار دينار مقابل 23٫7 مليار دينار قبل سنة.
وإذا علمنا أن تحقيق هذه الأرقام أصبح ممكنا بالاعتماد فقط على موارد السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج  والمقدرة تقريبا بـ 10٫7 مليار دينار، فإنه يصبح بإمكاننا تصور النتائج والموارد التي سيكون ممكنا تحصيلها متى تسلحنا بالارادة ومضينا إلى الآخر في طريق التعويل على الذات.. في طريق تعبئة كل الامكانات والموارد وفعّلنا أداء ومردودية القطاعات الحيوية التي توجد أمامها آفاق رحبة للتصدير ولتحصيل مبالغ هامة من العملة الصعبة.. وهي قطاعات تبدأ من الفسفاط، هذه الثروة الهامة مع ما توفره من فرص مهدورة.. وتمر بالفلاحة لتصل إلى القطاعات الخدمية في الكثير من الاختصاصات الدقيقة التي يبدع فيها شبابنا ولا ينقصه غير الحصول على فرصة وعلى مساعدة الدولة وعلى تطوير ترسانة القوانين لكي يتمكن من الانطلاق وفرض الذات في عالم مفتوح ويمتلك فيه شبابنا كل الفرص لكسب رهان ومعركة المنافسة.
فرص تطوير موارد الدولة وفتح آفاق وأسواق جديدة أمام المنتوج الوطني وأمام السياحة بالذات يدركها جيدا أهل الاختصاص ولا ينقص غير الانصات لهم والأخذ بأيديهم لتمكينهم من أسلحة إضافية لفرض الذات وكسب رهان المنافسة.
تأكيدا، معركة التعويل على الذات هي معركة شعب ومعركة وطن.. معركة تحرّر وطني نصرة للسيادة الوطنية وللقرار الوطني المستقل.. معركة لا تقل أهمية وقداسة عن معركة التحرر من الاستعمار المباشر.. لأنه في نهاية المطاف لا فرق بين أن يكون من يحتلنا ويصادر كرامتنا وسيادتنا الوطنية حاضرا بالجندي وبالدبابة وبكل أدوات القمع والتركيع وبين أن يكون حاضرا بطريقة غير مباشرة من خلال منتوجاته ومن خلال قوته الاقتصادية ومن خلال تأثيره السياسي وكلها تحقق له في الأخير «احتلالا ناعما» لبلادنا.. احتلال يؤمن له استعبادنا ومصادرة قرارنا الوطني ونهب خيراتنا وامتصاص عرق شعبنا بطريقة مريحة.. ودون الحاجة إلى حشد الجيوش والتواجد العسكري المكلف اقتصاديا وبشريا بالنظر إلى الضريبة التي يدفعها كل محتل.
بقي أن هذه المعركة المقدسة، معركة التعويل على الذات ونصرة السيادة والقرار الوطني هي معركة وطنية، معركة شعب بنخبه وسواعده وبأدمغته.. معركة تستوجب استنهاض كل الهمم وحشد كل الطاقات حتى ننجح في صيانة استقلال وسيادة قرارنا الوطني وكنس ذيول الاستعمار غير المباشر كما نجح أباؤنا وأجدادنا بالأمس في كنس الاستعمار في المباشر.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك