بورتريه: عبد المجيد تبون... الثائر الحكيم

بورتريه: عبد المجيد تبون... الثائر الحكيم

تاريخ النشر : 15:26 - 2024/08/07

 بكل المقاييس يعتبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون انعكاسا للدافع الحضاري القوي للشعب الجزائري الشقيق. بل إن  التحولات الحاصلة على مدى  السنوات الأخيرة تجعل من الجزائر  ضمانة أساسية للأمن القومي الإستراتيجي للمنطقة المغاربية والساحل الإفريقي لا محيد عنها كقاعدة صلبة تستند عليها شعوب المنطقة لإقتلاع  جذور التخلف الناجم عن  العجز  السيادي الذي أخضعها طيلة عقود للإبتزاز عبر بوابتي الديون والإرهاب. 

  والواضح أن قيام 25 جويلية في تونس شكل نقطة التقاء تاريخية بين الجارتين اللتين تشكلان اليوم نموذجا للتحرر يشع على القارة الإفريقية بأسرها التي تعيش على وقع تغيير ثقافي عميق تغير بمقتضاه  مدار التنافس السياسي من الولاء للإستعمار إلى مناهضة  كل ما يرمز للإستعلاء. 

 والأهم من ذلك أن هذا التفاعل بين تونس والجزائر  قد أعاد التوازن للعلاقات المتوسطية  بعد عقود من عدم تكافؤ الفرص اختزلتها اتفاقيات الشراكة الأحادية التي فتحت الباب لتدفق  السلع والخدمات الأوروبية بلا حدود وأدركت ذروتها بقيام ما يسمى الاتحاد من أجل المتوسط الذي لم تكن له أي غاية عدى إرغام  بلدان جنوب المتوسط على التطبيع القسري بالجلوس وجها لوجه مع الوفود الإسرائيلية. 

 هذه الصفحة المذلة احترقت بمسار تجفيف منابع الفساد والإختراق  الذي انتهجه   الرئيس عبد المجيد تبون معيدا بذلك إلى بلد  المليون شهيد القدرة على التأثير الإيجابي في محيطه الجغرافي بعد عقود طويلة من الوقوف في موقع الدفاع حيث أن الجزائر الشقيقة كانت أول بلد يستهدف بأجندا  التفكيك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينات  القرن الماضي لكن قوة الواعز الوطني لجيشها وشعبها جعلاها تخرج من هذهالمرحلة العصيبة بأقل الأضرار رغم أن سنوات الجمر خلفت أكثر من 200 ألف قتيل عندما كان الإرهاب الداعشي  يرتع  بدعم من المخابرات الغربية  والصهيونية. 

 كما تمكنت  الجزائر بفضل هذا الواعز الوطني القوي من تجاوز مطبات  عنيفة  كان أخطرها على الإطلاق مرحلة الربيع العبري  حيث أحاطت المنظومة الصهيونية الجزائر بحفرة عميقة من خلال تلغيم  الساحل الإفريقي بالإرهاب وإضعاف كيان الدولة في تونس تحت حكم  الإخوان وإشعال فتيل الفوضى في ليبيا تزامنا مع سيطرة إسرائيل  الكاملة  على القرار  المغربي حيث أعطى الملك  محمد السادس مفاتيح بلاده  لتل  أبيب  منذ صعوده إلى دفة الحكم  إستكمالا لمسار طويل من الاحتكام لمنطق «دولة الصفقات» التي فرضت  على الشعب  المغربي الشقيق استقلالا منقوصا حيث لا تزال إسبانيا تستعمر أجزاء هامة من تراب المغرب خلافا لكل دول الجنوب التي قامت بتحرير كل أراضيها بنيل الاستقلال. 

 ومن هذه الزاوية بالذات يمكن استيعاب  دوافع حساسية الجزائر الشقيقة تجاه النظام المغربي  حيث أن التداخل بين السلطة  الحاكمة  والأجهزة الإسرائيلة يمثل خطرا فعليا على الأمن القومي الجزائري  وهو ما تعبر  عنه بوضوح الكميات الضخمة  من المخدرات التي تحجز يوميا على الحدود بين الجزائر والمغرب فالكيان الصهيوني قد استثمر طيلة عقود  في تجارة المخدرات   لتدمير إرادة الشعوب واختراق الأجهزة الحيوية كما أن المخدرات والإرهاب وجهان لعملة واحدة. 

 وفي المقابل وجدت الجزائر الشقيقة  في المسار السيادي القوي  لتونس سندا هاما للإنتقال  من موقع الدفاع  عن الوحدة الترابية إلى التأثير  العميق في المنطقة الإفريقية   والمتوسطية رغم أن البلدان يواجهان  إلى الآن مخاطر جسيمة مرتبطة   أساسا بارتدادات  حالة التخبط  التي تشهدها المنظومة الصهيونية المستعدة لفعل أي شيء لتفادي  الإنهيار  الحتمي. 

والواضح أن شخصية   الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون  تمثل خليطا   متفردا من القوة والحكمة  وربما  مزيجا من هدوء الصين وشراسة   روسيا لكنه في كل الأحوال  يمثل إلى جانب الرئيس قيس سعيد والرئيس السوري بشار  الأسد مصالحة عربية مع عصر العظماء حيث أن مواقف الرئيس عبد المجيد تبون القوية تجاه باريس كانت من أهم العوامل التي كسرت شوكة فرنسا وأدت من ثمة إلى تسريع موجة التحرر في إفريقيا بوصفها حلقة مفصلية في بناء العالم الحر الجديد على أنقاض الصهيونية العالمية التي حشرها طوفان  الأقصى في الزاوية. 

 والواضح أيضا أن التزام كل من الجزائر وتونس الثابت بسياسة عدم الاعتراف بالكيان  الصهيوني تجعل  منهما دعامة قوية للنضال الوطني الفلسطيني ساهمت بقسط وافر في إضعالف محور التطبيع الذي طالما استخدمه محور الشرّ المتألف  من واشنطن  ولندن وتل أبيب  لإحباط غزيمة الشعب الفلسطيني الشقيق بجعله يتعلق بقشة السلام المزعوم. 

 وبالمحصلة يمثل عهد  الرئيس عبد المجيد تبون نقطة  تحول مفصلية في تاريخ الجزائر الشقيقة تدفع بثبات نحو إعادة هيكلة الاقتصاد الجزائري وربط هذا الرهان بالمسارات  الجديدة وفي مقدمتها طريق الحرير كقاعدة أساسية لتحرير القدرات الخلاقة والكامنة  للشعوب الإفريقية. 

 ولا شك  أن هذا التمازج والتفاعل بين التوجهات السيادية  لكل من تونس والجزائر يدفع نحو تحويل القارة السمراء إلى قوة ضاربة خاصة من خلال التشبيك الحقيقي للمصالح  بمدّ خطوط الطاقة والقطارات السريعة والطرقات السيارة حتى تتدفق السلع ويتنقل  الأفارقة داخل حدودهم  الواسعة دون حدود  رغم أن كلا من الجزائر وتونس تواجهان ضغوطات شديدة خلال هذه  المرحلة الانتقالية لمواجهة أجندا الفتنة الصهيونية التي تهدف إلى تعطيل وإرباك مسار التحرر والوحدة في القارة السمراء بموجات الهجرة غير الشرعية المتدفقة  من  جنوب الصحراء. 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

اجتمع وزير الإقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ بعد ظهر الإربعاء 30 أفريل 2025 Gottardt Tobias كاتب
15:44 - 2025/05/01
انتظمت صباح اليوم الخميس غرّة ماي 2025، بتونس العاصمة، مسيرة احتجاجية ضدّ إيقاف المحامي والقاضي ا
12:44 - 2025/05/01
شهدت العاصمة تونس اليوم الخميس تظاهرة نظمها أنصار الرئيس قيس سعيّد، عبّروا خلالها عن دعمهم له ورف
12:27 - 2025/05/01
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد بعد ظهر الثلاثاء 29 أفريل 2025 بقصر قرطاج، محمد علي تميم نائب رئي
07:00 - 2025/05/01
مرة أخرى يعود شبح الحرب ليخيّم على سماء شبه القارة الهندية، تصريحات قادمة من باكستان بالأمس، أفاد
07:00 - 2025/05/01
تعقد لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب جلسة يوم غدا الجمعة 2 ماي الجاري للاستماع إلى ممثلي الغر
07:00 - 2025/05/01
رجّح مقرر لجنة الصحّة وشؤون المرأة والاسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بالبرلمان رؤوف الفقيري
07:00 - 2025/05/01
مثل تطوير الأداء الاتصالي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مجال التثقيف والتحسيس الانتخابي، م
07:00 - 2025/05/01