مع الشروق : عرب... ولكن كغثاء السيل

مع الشروق : عرب... ولكن كغثاء السيل

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/21

عندما ننظر إلى مشهد مئات آلاف البشر في كبريات مدن العالم من شرقه إلى غربه وهم ينتفضون ويهتفون بالحرية لفلسطين ويدينون حرب الابادة الصهيونية، يداهمنا سؤال كبير وخطير: أين الشعوب العربية وهل ابتلع العرب ألسنتهم فلم يعودوا قادرين حتى على العويل والصراخ نصرة لأشقائهم وضغطا على الأنظمة كي تنهض وتقدم الحد الأدنى الذي يطعم الجياع ويعالج المصابين ويوقف حرب الابادة التي تنفذ منذ قرابة السنتين؟
في كل مدن العالم تنطلق يوميا أمواج بشرية هادرة منددة بفظاعات الصهاينة ومنادية بالحرية لفلسطين.. ويتبارى الناشطون والمثقفون والسياسيون والفنانون والناس العاديون في إظهار دعمهم للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة.. وكذلك في التنديد بالغطرسة الصهيونية وبحرب الابادة التي تجري على مرأى ومسمع أزيد من 8 مليارات بشر.. هذه الحركية يقابلها صمت مطبق في الشوارع العربية.. ولا يتعدى الدعم بعض الصراخ في بعض الساحات وهو مشهد يوحي وكأن فلسطين لم تعد عربية وانها جغرافيا تقع على كوكب آخر.
فالنخب العربية طلقت القضية بالثلاث وانسحبت من الميدان واثرت الانكفاء.. والمثقفون العرب استكانوا للهزيمة والانكسار. والناشطون العرب خارت قواهم فآثروا الانزواء وراء جدران الجبن والانهزامية. أما الشعوب فقد أغرقت في بحار من الهموم والشجون وكبلتها سلاسل الفاقة والصعوبات المادية والاقتصادية فوقعت في شباك معارك يومية لا تنتهي وراء حاجيات تعجز عن تأمينها الجيوب الخاوية والأوضاع الهشة.. وبالمحصلة باتت لهذه الشعوب قضايا يومية لا حصر لها ولا عدّ استنزفت منها الجهد واستأثرت بكل الاهتمام حتى باتت هذه القضايا الصغيرة تلهي الجميع عن القضية الكبيرة.. ليجد الشعب الفلسطيني نفسه وحيدا في الميدان.. بلا داعم ولا نصير اللهم  تلك الأصوات القادمة من وراء البحار والتي تبدي عنادا وتصميما منقطعي النظير في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.. وفي تعرية الكيان الصهيوني وكشف وجهه القبيح في التنديد بالفظاعات والمجازر التي يرتكبها في حق أهالي غزة.
لسائل أن يسأل: أين الأنظمة العربية وسط كل هذا؟ أين جامعة العرب؟ وأين اتفاقيات الدفاع المشترك وأين قصائد الغزل التي قيلت في الأمن القومي لعربي؟ وأين نحن من عروبة فلسطين ومن قضية العرب الأولى ومن تمسكنا بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف؟ يبدو أن الأنظمة الفاعلة في الساحة العربية قد ذوبت كل هذه الأسئلة الحبلى بالمعاني.. بل أنها تحوّلت من موقع النصير لفلسطين ـ ولو بالكلام ـ إلى موقع الداعم للكيان الصهيوني بالمال وبالسلاح وبالتحريض على المقاومة أينما وجدت سواء في فلسطين المحتلة أو في لبنان الجريح.. والأدهى والأمرّ أن هذا الموقف المتواطئ مع المخططات الصهيونية والأمريكية للشرق الأوسط برمته سوف يرتد على هذه الأنظمة التي ستجد نفسها في قلب الحريق الكبير.. وقد أفاض نتنياهو في الحديث عن رؤيته لما يسميه «إسرائيل الكبرى» وعن اعتزامه تغيير «خارطة الشرق الأوسط».. وهذه وتلك تستوجبان تفكيك دول وتغيير حدود وتهويد أجزاء كبيرة من الأراضي العربية من غزة وفلسطين إلى لبنان والأردن وسوريا إلى مصر والسعودية.. في انتظار أن تتدحرج كرة النار إلى مناطق عربية أخرى.
فهل أصبح العرب وعلى كثرتهم كغثاء السيل؟ وهل أسلموا رقابهم وأرواحهم للأعداء؟ وهل باتوا يساهمون في نحرهم بالهرولة إلى المسالخ حتى يُجنبوا الجزارين مشقة سوقهم سوقا؟ انها مفارقات تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العرب ومستقبل المنطقة العربية.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك