لأول مرة: اعتمادات لتمويل الضمان الاجتماعي للعاملات الفلاحية

في إطار مشروع قانون المالية لعام 2025، تم اقتراح اقرار إحداث أوّل "صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات"، بما من شأنه أن يضمن التغطية الاجتماعية للنساء الناشطات في القطاع الفلاحي، وكذلك المساعدة في تحقيق إدماجهم الاقتصادي في إطار المنظومة الوطنية للضمان الاجتماعي، بشكل عام.
تمثّل النساء العاملات في القطاع الفلاحي نحو 60% من اليد العاملة النشطة في هذا القطاع الذي يوفّر قوت كثير من التونسيين، غير أنّهنّ لا يتمتّعنَ بقدر كاف من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولا بتأمين خاص بالصحة المهنية ولا بحوادث العمل. وستحظى العاملات في القطاع الفلاحي في تونس بحماية أكبر عبر إنشاء صندوق خاص بالحماية الاجتماعية بعد تهميش اقتصادي واجتماعي، في حين تتوالى الحوادث المهنية التي يتعرضن لها في العديد من الوضعيات.
وكان إنشاء آلية لحماية النساء الفلاحات مطلباً أساسياً لفئات اجتماعية واسعة، سعت السلطات للاستجابة اليه تكريسا للدور الاجتماعي للدولة وتعزيزا لإرادتها للقطع مع الهشاشة الاقتصادية كما الاجتماعية للفلاحات وتوفير آليات حماية مستدامة لفائدتهنّ. وفقاً للمشروع الذي قدّمته السلطات، من المتوقّع أن يموَّل "صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات" بمنحة مباشرة من الدولة، ومعاليم ستوظف على أقساط التأمينات وخدمات الفحص الفني للعربات والخطايا المرورية. يهدف "صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات" إلى إرساء نظام لفائدة العاملات في القطاع الفلاحي يضمن لهنّ التغطية الصحية والتأمين ضدّ حوادث العمل والأمراض المهنية مع جراية تقاعد، إلى جانب مساعدتهنّ في الاستفادة من برامج الدمج الاقتصادي.
ويفيد مؤشّر التنمية الفلاحية في تونس، الذي نشرته وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، بأنّ المرأة الريفية تمثّل نسبة 35% من مجموع النساء التونسيات ونحو 58% من اليد العاملة في الريف. لذلك فإنّ المرأة الريفية حلقة أساسية في مجال الفلاحة، سواء من خلال قوة عملها أو مساهمتها في أمن البلاد الغذائي. في هذا الإطار، تعمل السلطات على وضع آليات تساعد في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء العاملات في القطاع الفلاحي باعتبار أن إحداث صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات يهدف إلى القطع مع المآسي التي عاشتها الفلاحات من جرّاء الحوادث المرتبطة بالعمل التي تعرّضنَ لها، ومن جرّاء تعرّضهنَ للحيف الاجتماعي كما الإقتصادي.
واعتبرت العديد من الأطراف الفاعلة في المجال الاقتصادي والاجتماعي قرار إنشاء الصندوق جيداً بحكم دوره في مساعدة الأجيال الجديدة من العاملات في قطاع الفلاحة في حفظ حقوقهنّ المهنية خصوصا أنّ قسما من العاملات يتعرّضنَ للحيف الاقتصادي، ويعانينَ كذلك من الضيم على مستويات عديدة، وبالتالي فإنّ توجه السلط نحو تجسيم إصلاحات اجتماعية في هذا القطاع يعد تمشيا فعالا على أكثر من صعيد، من أجل توطيد المساواة والعدالة الاجتماعية ودعم مستوى عيش لائق لآلاف النساء العاملات في القطاع الفلاحي. ويأتي ذلك في سياق يعتبر فيه نقل العاملين والعاملات في القطاع الفلاحي بالبلاد قضية اجتماعية واقتصادية تؤثّر على معيشة شريحة اجتماعية بأكملها.
تجدر الإشارة إلى أنّ عشرات العاملات في القطاع الفلاحي يقعنَ سنوياً ضحايا حوادث مرور، وقد سجّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 50 وفاة وأكثر من 700 إصابة ذات صلة، ما بين عام 2015 وأوائل عام 2021. وحسب إحصاءات، أُجريت ما بين عامَي 2020 و2022، سُجّل وقوع 50 ضحية في حوادث مرور، فيما وُثّق 11 حادثاً في عام 2024 الجاري، راحت ضحيتها ثماني نساء من بينهنّ قاصرة. وتُعَدّ الحوادث المرتبطة بنقل العاملات في القطاع الفلاحي من أكثر ما يعرفه الناس عن المخاطر التي تهدّد هؤلاء العاملات، وذلك بفضل التغطية الإعلامية التي تُخصَّص لتلك الحوادث، بالإضافة إلى التوعية التي تم القيام بها على نطاق واسع في السنوات الأخيرة في تونس. ويبقى اجمالا للنساء دور ريادي في تحقيق الأمن الاقتصادي للعائلات الأكثر فقراً، إذ يخصّصنَ جزءاً مهماً من دخلهنّ لتوفير الغذاء والصحة والتعليم لأفراد أسرهنّ، بما في ذلك الأطفال رغم أنّ الاعتراف الاجتماعي بدورهنّ محدود جداً، الأمر الذي أخّر لسنوات كلّ الحلول المطروحة لحمايتهنّ اجتماعياً وتوفير الحدّ الأدنى من مقوّمات الضمانة المهنية لهنّ.
وتكشف معطيات أنّ هؤلاء العاملات لا يملكنَ إلا 4% من إجمالي مساحة الأراضي الفلاحية، و17% منهنّ فقط ينتمينَ إلى فئة العمّال القارين. وحتى مع زيادة حضورهنّ في إطار إجمالي اليد العاملة في القطاع الفلاحي، فإنّ عملهنّ يظلّ هشاً بسبب طبيعته غير المستقرّة أو الموسمية وكذلك أجره المنخفض جداً. تطمح عاملات الريف إلى الاحتماء بمنظومات اجتماعية توفّر لهنّ الحدّ الأدنى من الضمانات الاجتماعية والصحية، وتكشف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية أنّ نسبة 33.3% فقط من النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي يتمتّعنَ بالتغطية الاجتماعية. ووفقاً للبيانات نفسها، لا يتجاوز عدد النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي المنخرطات في خدمات الضمان الاجتماعي 93.5 ألف امرأة في مقابل 377 ألف رجل يعملون في المجال نفسه وينتفعون بالتغطية الاجتماعية.
في عام 2018، حاولت السلطات المعنية في البلاد معالجة أزمة الحماية الاجتماعية للنساء العاملات في القطاع الفلاحي تحت ضغط عدة أطراف، عبر إطلاق منظومة "احميني" لتسهيل تسجيل الريفيات الناشطات في القطاع الفلاحي في منظومة الضمان الاجتماعي.
وكان الهدف من المشروع توسيع قاعدة المنخرطات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من العاملات في القطاع الفلاحي، اللواتي يعملنَ في ظروف قاسية ولا يتمتّعنَ بالتغطية الاجتماعية، غير أنّ هذا المشروع واجه عراقيل عديدة ولم يحقّق أهدافه.