مع الشروق: أوروبا و الاستقلال الاستراتيجي
تاريخ النشر : 07:00 - 2023/04/16
لماذا تتوالى التصريحات الأوروبية بخصوص "الاستقلال الاستراتيجي" عن الولايات المتحّدة؟ وهل تقدر القارة العجوز على هذا الاستقلال فعليّا؟ اسئلة يتداولها المراقبون لتفاعلات تصريحات الرئيس الفرنسي عن العلاقة بواشنطن بعد عودته من رحلة إلى الصين.
لنقل إن ماكرون ألقى قنبلة في مسار العلاقات مع واشنطن، واستعاد خطابا استقلاليا يعود إلى خمسينات القرن الماضي و كان يتزعمه الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول، الذي كان يدافع عن فكرة استقلال القرار الأوروبي عن القوى المتصارعة في ذلك الوقت وهما الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي. ولكن حديث ماكرون وهو عائد من الصين و بتلك الصفة الاستعجالية يثبت أنّ ملفات كثيرة باتت بيد بيكين و ما على الاوربيين إلا أن ينقذوا أنفسهم قبل فوات الأوان.
الحرب الأوكرانية غيرت التوازنات العالمية، وغيرت العلاقات الدولية، وهو ما سيكون له تأثير على العلاقات بين أوروبا وواشنطن. فعند انتخاب بايدن فرح الأوروبيون بإزاحة ترامب الذي كان يتخلى بصورة واضحة عن أوروبا وحين خسارة الديمقراطيين للانتخابات النصفية في الكونغرس تأكد للأوروبيين أنّ العلاقات بينهم و بين البيت الأبيض لن تكون مستقرة مستقبلا، لذلك بدأ التفكير في ما يعرف بالاستقلال الاستراتيجي إذ يقول تورستن بنر، مدير معهد السياسة العالمية العامة في برلين. وجاء في مقال كتبه لموقع DW "من المتوقع أن يدخل بايدن التاريخ كآخر مدافع عن العلاقات عبر الأطلسي في البيت الأبيض". وقريبا سينتهي زمن الدعم الأمني والسياسي السخي، مهما كانت هوية من سيأتي بعد بايدن إلى البيت الأبيض، لأن الولايات المتحدة ستركز في المستقبل على الصين أكثر بكثير. والحقيقة أنّ أمريكا تمارس الابتزاز تجاه الأوروبيين و تستغل حاجتهم للطاقة وتبيعهم إياها بأضعاف ما كانوا يحصلون عليه من روسيا. كما أنها تمارس عليهم هيمنة في قطاعات التسليح والتكنولوجيا فائقة الذكاء، وهذا ما أشعر الأوروبيين بأنهم باتوا في حالة تبعية غير مسبوقة. جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كتب مقالا قال فيه : إن أوروبا مهددة بأن تصبح "غير ذات أهمية". ويدلل على ذلك بتراجع وزن أوروبا في العالم بقوله "قبل 30 عاما كانت حصة قارتنا ربع الرخاء العالمي. في غضون 20 عاما ستكون حصتنا من الإنتاج الاقتصادي العالمي 11 بالمائة كحد أقصى". والاستقلال الاستراتيجي هو "قضية البقاء السياسي".
الرئيس الفرنسي استعمل مصطلح الانعتاق، وكأنه يقرّ بأن أوروبا باتت مستعبدة من الاحتكار الأمريكي لقراراتها و مصالحها الاقتصاديّة، وهو يرى أن التحرر من هذا الانعتاق طريقه تمر عبر التحرر من قبضة الدولار و الاستقلال الطاقي والعسكري، والاستقلال التكنولوجي. إذن هي معركة تحرر شاملة بعد أن ايقن الأوروبيون انّهم كانوا ضحية خديعة حرب أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة ربما تريد أن تجعل منهم وقود حروب جديدة ضد روسيا و الصين، ولهذا أصر ماكرون على تحييد أوروبا عن المعارك التي لا مصلحة للأوروبيين فيها،غير أن السؤال الذي يتطلب دراسات عميقة، هل تملك أوروبا أدوات التحرّر ؟ وهل ستسمح أوروبا لبقية شعوب العالم بالاستقلال الاستراتيجي عنها، إن رغبت في الانعتاق من الهيمنة الأوروبية؟
كمال بالهادي
لماذا تتوالى التصريحات الأوروبية بخصوص "الاستقلال الاستراتيجي" عن الولايات المتحّدة؟ وهل تقدر القارة العجوز على هذا الاستقلال فعليّا؟ اسئلة يتداولها المراقبون لتفاعلات تصريحات الرئيس الفرنسي عن العلاقة بواشنطن بعد عودته من رحلة إلى الصين.
لنقل إن ماكرون ألقى قنبلة في مسار العلاقات مع واشنطن، واستعاد خطابا استقلاليا يعود إلى خمسينات القرن الماضي و كان يتزعمه الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول، الذي كان يدافع عن فكرة استقلال القرار الأوروبي عن القوى المتصارعة في ذلك الوقت وهما الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي. ولكن حديث ماكرون وهو عائد من الصين و بتلك الصفة الاستعجالية يثبت أنّ ملفات كثيرة باتت بيد بيكين و ما على الاوربيين إلا أن ينقذوا أنفسهم قبل فوات الأوان.
الحرب الأوكرانية غيرت التوازنات العالمية، وغيرت العلاقات الدولية، وهو ما سيكون له تأثير على العلاقات بين أوروبا وواشنطن. فعند انتخاب بايدن فرح الأوروبيون بإزاحة ترامب الذي كان يتخلى بصورة واضحة عن أوروبا وحين خسارة الديمقراطيين للانتخابات النصفية في الكونغرس تأكد للأوروبيين أنّ العلاقات بينهم و بين البيت الأبيض لن تكون مستقرة مستقبلا، لذلك بدأ التفكير في ما يعرف بالاستقلال الاستراتيجي إذ يقول تورستن بنر، مدير معهد السياسة العالمية العامة في برلين. وجاء في مقال كتبه لموقع DW "من المتوقع أن يدخل بايدن التاريخ كآخر مدافع عن العلاقات عبر الأطلسي في البيت الأبيض". وقريبا سينتهي زمن الدعم الأمني والسياسي السخي، مهما كانت هوية من سيأتي بعد بايدن إلى البيت الأبيض، لأن الولايات المتحدة ستركز في المستقبل على الصين أكثر بكثير. والحقيقة أنّ أمريكا تمارس الابتزاز تجاه الأوروبيين و تستغل حاجتهم للطاقة وتبيعهم إياها بأضعاف ما كانوا يحصلون عليه من روسيا. كما أنها تمارس عليهم هيمنة في قطاعات التسليح والتكنولوجيا فائقة الذكاء، وهذا ما أشعر الأوروبيين بأنهم باتوا في حالة تبعية غير مسبوقة. جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كتب مقالا قال فيه : إن أوروبا مهددة بأن تصبح "غير ذات أهمية". ويدلل على ذلك بتراجع وزن أوروبا في العالم بقوله "قبل 30 عاما كانت حصة قارتنا ربع الرخاء العالمي. في غضون 20 عاما ستكون حصتنا من الإنتاج الاقتصادي العالمي 11 بالمائة كحد أقصى". والاستقلال الاستراتيجي هو "قضية البقاء السياسي".
الرئيس الفرنسي استعمل مصطلح الانعتاق، وكأنه يقرّ بأن أوروبا باتت مستعبدة من الاحتكار الأمريكي لقراراتها و مصالحها الاقتصاديّة، وهو يرى أن التحرر من هذا الانعتاق طريقه تمر عبر التحرر من قبضة الدولار و الاستقلال الطاقي والعسكري، والاستقلال التكنولوجي. إذن هي معركة تحرر شاملة بعد أن ايقن الأوروبيون انّهم كانوا ضحية خديعة حرب أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة ربما تريد أن تجعل منهم وقود حروب جديدة ضد روسيا و الصين، ولهذا أصر ماكرون على تحييد أوروبا عن المعارك التي لا مصلحة للأوروبيين فيها،غير أن السؤال الذي يتطلب دراسات عميقة، هل تملك أوروبا أدوات التحرّر ؟ وهل ستسمح أوروبا لبقية شعوب العالم بالاستقلال الاستراتيجي عنها، إن رغبت في الانعتاق من الهيمنة الأوروبية؟
كمال بالهادي
