مع الشروق.. «ملحكــم علــى الرفـــوف»

مع الشروق.. «ملحكــم علــى الرفـــوف»

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/09/26

كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان مملكة بطش ملكها بشعبه ، فثار الناس عليه ثورة رجل واحد في يوم ما كان أن تنبلج فجر صباحه إلا بفرار الملك هاربا في العتمة إلى البيداء تاركا مملكته وثروته وخيرات البلاد بين أيدي الرعية ليعيدوا اقتسامها بالعدل والقسطاس كما زعموا ..
اجتمع أهل القرية في السوق ليختاروا ملكا وحاشية نزيهة لا تبطش بالشعب ولا تجمع الجباية إلا بحقها ، وتواعد أهل المدينة فيما بينهم على التعايش السلمي و"الديمقراطية" وبناء الجامعات والمدارس والإدارات ، ونادى كبيرهم بتحويل قريتهم إلى " تايوان " رغم إلحاح العرافة على أنها أبو ظبي  .
اختلف أهل القرية على معنى "تايوان" الدخيل في لغتهم ولهجتهم ، وتحدث الأقحاح منهم على المعرفة والعلم والذكاء الاصطناعي والطرقات والجسور ، وتمسك الشعب بحقه في ثروات الأرض ومدخراتها و"فاناتها" ، ونادت العشائر باقتسام الخيرات دون الرجوع إلى أكابر القوم وأسيادها، فاشتدت الخصومات بين العشائر على قيادة "البطن" ، واختلفت "الأفخاذ" إلى من ستؤول الزعامة ..
اشتدت الخلافات بين أهل القبيلة الواحدة قبل أن تشح السماء  ويجف الزرع والضرع ، واتفق جميعهم على "مجلس تأسيسي" لا تنتهي صلاحياته إلا بوثيقة تعلق على باب المدينة تنظم "الانتخابات" بين أهل اليمين و اليسار وما بينهما من غير اليمين واليسار والقلب، وخرجت العيون تستطلع أحوال القبيلة وتوزع الأكل والشرب على أهل القرية لملء بطونهم واستمالة رأيهم قبل "الصناديق".
اللهفة على الزعامة فاضت بين القوم ليشتد سعيرها ، واستعرت النميمة والدسيسة ، وظهر القوالون والسفهاء والمداحون والمنافقون والمضاربون واللصوص واهل الملل و النحل ، ومع ذلك صيغت الوثيقة وعلقت على باب المدينة فقال المداحون انها أفضل وثيقة بعد القرآن والسنة، وشربوا حتى الثمالة على نخب فصولها ، لكن سرعان ما تدافع القوم فيما بينهم لقراءة بنودها فتمزقت فكتبوا ثانية ثم ثالثة ..
وهم في سكرتهم وخصوماتهم التي لم تشأ أن تنتهي ، حل الوباء في المدينة فمات من مات ، واشتدت الحروب في أقصى بقاع العالم ، وامتدت الأيادي للاقتراض والتداين والقوم في خصوماتهم باقون مستبسلون مدافعون عن مواقعهم، ليستفيقوا ذات صباح وخزائن الفضاءات التجارية خالية من الحنطة والزيت واللبن والسكر ، ولم يبق بين الرفوف إلا الملح ليتنازعوا عليه .
استفاق أهل القرية من نومتهم العميقة وأحلامهم اللذيذة، وخرجت الأم صباحا إلى "المغازة" بحثا عن الحليب المعلب فلم تجده ، وشق الرجل الأسواق يروم اقتناء الدجاج والبيض فلم يعثر عليه ..والقوم جياع ، خرج صبي مسرعا بحثا عن السكر ، فلم يجد إلا الملح ، اقتناه وعاد حزينا إلى عشيرته وقال لهم باكيا لم تتركوا في وطني إلا الملح ..ومرارة العيش ، والله "لأحرقن " عبر البحر قبل أن "أحترق"  بينكم جوعا يا من استبحتم وطني .
راشد شعور 

تعليقات الفيسبوك