مع الشروق.. انتعاشة قطاع الفسفاط... والإرادة السياسية

مع الشروق.. انتعاشة قطاع الفسفاط... والإرادة السياسية

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/07/08

تمكنت شركة فسفاط قفصة خلال السداسي الأول من العام الجاري، ولأوّل مرّة منذ سنة 2012، من تحقيق إنتاج يساوي 2 مليون و13 ألف طنّ من الفسفاط التجاري، ولم يسبق أن تجاوز حجم إنتاج في سداسية كاملة، وفي أحسن الحالات، 1 مليون و900 ألف طن. رقم يدفع إلى التفاؤل وإلى الشعور بالارتياح لوضعية هذا القطاع الهام الذي ظل على امتداد السنوات السابقة لـ2011 قاطرة الاقتصاد الوطني بالنظر إلى مساهمته الكبرى في الناتج القومي الخام وفي دعم ميزانية الدولة.
وطوال العشرية المنقضية، تهاوى إنتاج الفسفاط بشكل غير مسبوق بسبب عدّة عوامل ابرزها الاضطرابات الاجتماعية وتضاعف نفقات التأجير إلى جانب بعض العوامل الأخرى ابرزها عدم الاستقرار السياسي وعدم توفر إرادة سياسية حقيقية لإنقاذ القطاع والمحافظة عليه وإحكام تسييره وحوكمته. ونتيجة لذلك فقدت تونس  عديد الأسواق العالمية بسبب ضعف الإنتاج وعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات نحو الموردين الدوليين وهو ما استغلته بعض الدول الأخرى  لتحل محلّ بلادنا..
اليوم ورغم تواصل التوقّف التامّ لنشاط وحدات إنتاج الفسفاط في معتمديتي الرديف منذ نوفمبر 2020 وأم العرائس منذ سنة 2021 بسبب الحراك الاجتماعي الذي تشهده جهة الحوض المنجمي، إلا أن أرقام ومؤشرات السداسية الأولى بدت مطمئنة نسبيا. فبالإضافة إلى ارتفاع الإنتاج، تمكنت الشركة خلال السداسية الأولى من الإيفاء بتعهداتها تجاه حرفائها المحلّيين من مُصنّعي الأسمدة الكيميائية ، أي المجمع الكيميائي التونسي والشركة التونسية الهندية للأسمدة ومن عقد صفقات مع أسواق خارجية.
ويؤكد هذا التحسن في أرقام ومؤشرات انتاج الفسفاط خلال السداسية الأولى أنه لا شيء يحول دون مواصلة تحسينها خلال السداسية الثانية. كما يؤكد أيضا أن الإرادة السياسية وتحليّ الدولة بالجرأة والشجاعة والقطع مع سياسات العشرية الماضية التي تميزت بالضعف والهشاشة وبتأثير التقلبات والحسابات السياسية على الشأن الاقتصادي والتنموي، كلها عوامل قادرة على تحقيق الإصلاحات والتحسينات الممكنة ليس في مجال الفسفاط فحسب بل في كل القطاعات الهامة والحساسة والحيوية التي تدهورت وضعيتها في السنوات الاخيرة.
وتوجد اليوم إلى جانب قطاع الفسفاط عديد القطاعات والمجالات الأخرى التي آن الأوان لأن تتحلى الدولة تجاهها بأقصى ما يمكن من إرادة وجرأة وشجاعة لإصلاحها وتخليصها من كل العوامل التي أضرت بها في السنوات الأخيرة وعطلت نشاطها وتسببت في افلاسها وحولتها إلى عبء على الدولة يستنزف الميزانية ولا يحقق أية إضافة للمصلحة العامة.. فالقطاع الفلاحي في حاجة إلى وقفة صارمة تُصلحه وتُطوره باعتباره عاملا أساسيا لتحقيق الأمن الغذائي، وكذلك قطاع المحروقات والطاقات المتجددة بالنظر إلى دوره في تحقيق الامن الطاقي وأيضا القطاع السياحي بالنظر إلى مساهمته في توفير العملة الصعبة، إلى جانب المؤسسات العمومية التي تمر بوضعية مالية واقتصادية صعبة.
في أغلب دول العالم، لا يجوز التهاون بمثل هذه القطاعات والمجالات الحيوية والحساسة، وهو ما يفسر توصل عديد الدول إلى تحقيق أمنها الغذائي والطاقي والمحافظة على استقرار اقتصادها وعلى تطور مسار التنمية فيها. أما في تونس فإن القطاعات الاقتصادية والتنموية الحساسة والمؤسسات العمومية الكبرى أصبحت، خاصة في السنوات الأخيرة، عرضة لكل مظاهر "التلاعب" والتهاون والفساد وضحية التجاذبات والحسابات والمصالح السياسية وخاصة نتيجة ضعف وهشاشة الدولة وعدم تطبيق القانون بصرامة عندما يتعلق الأمر بتعطيلها واستشراء الفساد فيها. وهو ما يستدعي اليوم من السلطة القائمة اليوم القطع مع ذلك والاقتداء بما تحقق في قطاع الفسفاط في الأشهر الأخيرة.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك