مع الشروق..أوكرانيا و صراع «قلب العالـم»

مع الشروق..أوكرانيا و صراع «قلب العالـم»

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/05/17

 "يتعين على الغرب ألا تكون لديه أي أوهام عن أن موسكو قد تغض الطرف ببساطة عن توسع حلف الناتو صوب الحدود الروسية"، هكذا توعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب الذين استدرجوا فنلندا والسويد للانضمام الى الحلف.
وكما لم يتسامح مع  فرضية انضمام اوكرانيا الى الحلف وشن "عملية عسكرية خاصة" ضدّها، لا يبدو أيضا أن القيصر الروسي سيتسامح مع نيّة انضمام السويد وفنلندا الى "الناتو" وهو ما سيوسّع دائرة الصراع ويقرّب الصدام المباشر.
بالعودة الى الحرب في اوكرانيا، من يظنّ أن هذا الصراع هو وليد اللحظة ووليد مخاوف موسكو من النازيين الجدد وغيرها من الأسباب التي عددتها باستثناء ما يتعلّق منها بالناتو، لا يعرف طبيعة وتاريخ الصراع هناك.
ولفهم ذلك جيّدا يتعيّن علينا العودة الى نظرية قديمة هي في قلب الصراع الدائر الآن الذي تمثّل أوكرانيا محوره بين الكتلة الشرقية (الاتحاد السوفييتي سابقا وروسيا حاليا) والكتلة الغربية (أوروبا وخاصة أمريكا وبريطانيا).
يقول عالم الجغرافيا والسياسة وأحد مؤسسي "الجيوبوليتيك" البريطاني هالفورد ماكندر (1861-1947) ضمن نظرية "قلب العالم" أن "من يحكم أوروبا الشرقية يسيطر على قلب المنطقة، ومن يحكمها يحكم جزيرة العالم (أوراسيا) ومن يحكم جزيرة العالم يهيمن على العالم، لتصبح أوروبا الوسطى وخاصة أوكرانيا -وفقا لهذه المعادلة التي تعود إلى قرن من الزمان- منطقة محورية".
وفي هذه المعادلة تبرز أوكرانيا كمحور رئيسي في النظرية، إذ بدونها ستكون روسيا معزولة وغير مسيطرة وبها –أي اوكرانيا- يمكنها أن تعود الى امبراطورية كما كان في سالف الأزمان.
لذلك تحديدا أدرك زبيغنو بريجنسكي، المستشار الدبلوماسي السابق لجيمي كارتر في وقت مبكر أن أوكرانيا حجر الزاوية في "رقعة الشطرنج الكبرى" وأن استقلالها يغير طبيعة الدولة الروسية.
ويتحدّث بريجينسكي بوضوح عن أنه "بالنسبة لموسكو، فإن استعادة السيطرة على أوكرانيا، التي لديها العديد من الموارد وإطلالة على البحر الأسود، يعد تأمينا لتصبح مرة أخرى دولة إمبراطورية قوية تمتد عبر أوروبا وآسيا. وستكون لنهاية استقلال أوكرانيا عواقب فورية على أوروبا الوسطى".
الآن يدرك الأمريكيون والغربيون عموما أن خسارة اوكرانيا يعني خسارة "قلب العالم" وبذلك تتوحّد تصريحاتهم في هدف واحد "يجب أن يخسر بوتين بأي ثمن"، لأن انتصاره يعني عودة روسيا قوية ومؤثرة في المسرح الدولي وهذا ما لا يريده الغرب بتاتا.
أما بالنسبة لروسيا ولبوتين العارف طبعا بخبايا "قلب العالم" فإن أوكرانيا خاصة وشرق أوروبا هم "حق" الامبراطورية الروسية  وقد فرّقهم الغرب ويجب أن يعودوا الى الحضن الأم حتى تنهض من جديد وتتساوى مع الكتلة الغربية.
هناك عديد العوامل التي ستحسم هذا الصراع منها ما هو حيني كالعامل العسكري وخاصة الاقتصادي وما هو متوسّط وطويل المدى كتشكّل عالم متعدّد الأقطاب  الذي تريده موسكو وحليفتها بكين بأي ثمن.
بدرالدّين السّيّاري
 

تعليقات الفيسبوك