الانتحار الجماعي… إلى متى؟

الانتحار الجماعي… إلى متى؟

تاريخ النشر : 08:42 - 2021/02/16

كــمْ شـجـاعٍ لــم يـنـلْ فيها المُـنـى وجـبــانٍ نــــالَ غــايــاتِ الأمــــلْ                  

       فـاتــركِ الحـيـلـةَ فـيـهــا واتَّــكِــلْ إنـمـا الحيـلـةُ فــي تـــركِ الـحِـيَـلْ
ربما هذان البيتان يلخصان الازمة السياسية الحادة التي تعيشها تونس و التي قال عنها الملاحظون و السياسيون أنها مسبوقة في تاريخ تونس وقد عجز الوسطاء و الفقهاء على ايجاد حل لها و الصورة اليوم قاتمة فعلا وهي كالتالي:
رئيس الجمهورية المتمرس في قصره و مدججا بسلاح تفسير و تأول الدستور على هواه في ظل غياب المحكمة الدستورية وهو يرى أن في عدم قبوله للتحوير الوزاري حماية للدستور من الخونة و المنافقين و الفاسدين و كل المعجمات ذات الصلة دون أن يفصح عنهم مرددا قولته الغامضة "أنتم تعرفونهم" وهو قد دعا بما لا يدع شكا رئيس الحكومة اما للاستقالة أو سحب الوزراء المقترحين الذين يعتبرهم فاسدين و لم يفصح عنهم وهو ما يمكن ان نفهم منه ان سعيد يرفض التحوير الوزاري كاملا و يسعى لإعادة توزيع الاوراق من جديد و الاطاحة بالمشيشي الذي افلت منه زمام المبادرة.
على الجانب الاخر نجد رئيس حكومة يريد ان يمارس صلاحياته كاملة و يرفض أن يكون وزيرا أولا لدى رئيس الجمهورية وفي أول فرصة أتيحت له بعد تكوينه لحزام سياسي برلماني أو ما اسماها وسادته السياسية قام باقالة كل الوزراء المحسوبين على الرئيس و الذين يرى انهم غير منسجمين مع فريقه الحكومي و توجهاته وهو حق لا ينازعه فيه أحد و يمنحه له الدستور .و المشيشي متمرّس بدوره في القصبة رافضا الاستقالة ورافضا سحب الوزراء الذين يعتبر الرئيس انهم مشبوهين ما لم يتسلم قائمة فيهم من الرئاسة وهو ما لم ولن يحدث لوعي الرئيس بأن الامر يمكن ان يتطور لتتبعه قضائيا اذا ما اتهم بعض الوزراء المقترحين بالفساد و سماهم بالاسم ثم برّأهم القضاء.وهذا هو أصل البلوكاج" الان وماعداه لا يعدو أن يكون سوى مناورات ينطبق عليها المثل القائل "الحيلة في ترك الحيل" .
اما ثالث الاثافي كما يقول العرب فهو راشد الغنوشي الذي يخوض حربا شرسا مع الرئيس سعيد بأتم معنى الكلمة ولكن يديرها من وراء الستار مستعملا رئيس الحكومة اللذان التقتا مصالحهما في لحظة معينة نعتقد انها ستنتهي بانتهاء اسبابها و يعي الملاحظون على الغنوشي "جبنه" في حربه مع الرئيس بالهروب من المواجهة المباشرة و اساعمال اخرين لغاياته الشخصية وهو ما ادخل الدولة في أزمات عديدة بداية من حربه مع المنصف المرزوقي و الباجي قائد السبسي ثم الان مع الرئيس سعيد .ونكاد نجزم أن سبب البلاء و الغباء السياسي الذين ابتلينا به هو راشد الغنوشي بصفته رئيسا لحركة النهضة و رئيسا لمجلس نواب الشعب.
اليوم لا شيء ينبأ بحلحلة الازمة طالما كلا الطرفين متمترسين في اماكنهما وبالتوازي مع ذلك كثرت الحيل من كل طرف لحسم هذه الحرب فهذا يدعو لتعيين الوزراء المقترحين مستشارين برتبة وزراء واخر يقترح  تسلم الوزراء الذين عليهم اجماع لمهامهم مع ترك الوزرات الاخرى بالنيابة و اخر يقترح سحب الثقة من المشيشي بعد ان استحالت استقالته .اما رئيس الجمهورية و مستشاريه فهم بصدد البحث عن حيل و خطط لحسم الامور لصالحهم .
الكل يفكر و يتحدث عن مصلحته الشخصية باسم مصلحة الوطن لكن المصلحة الظاهرة هي ضرورة الاستقرار الحكومي اذا لم يعد ممكنا تغيير الحكومات و نحن نفقد ثقة الشركاء في الخارج و الممولون الدوليون قد اوقفوا الاتفاقيات القادمة و الملحة في انتظار انجلاء الازمة وتوضح الرؤية كما ان لدينا معلومات مؤكدة على تراجع عدد من المستثمرين كان من المفترض ان تبدأ دراسات مشاريعهم في تونس هذه الفترة على المضي في دراسة مشاريعهم تحوفا من ضبابية الوضع السياسي في تونس ايضا.
ليعلم الجميع أن علاج تونس يعرفه المواطن البسيط ويتجاهله السياسيون وهذا غباء سياسي ابهرنا به العالم فلا مجال اليوم للاطاحة بالحكومة وهو بمثابة الانتحار الجماعي ولابد اليوم من ايجاد حل يرضي جميع الاطراف ولكن قبل ذلك يعيد للدولة رشدها وبوصلتها...فالحيلة في ترك الحيل.
 

ريم بالخذيري* ناشطة جمعياتية رئيسة الجمعية الدولية لحماية أطفال المتوسط

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

نعم ثمة هجرة وثمة تهجير وثمة حرب تهجير متنقلة.
19:30 - 2024/05/06
عندما نتناول بالبحث والتدقيق من خلص البلاد التونسية من الاستعمار الفرنسي  أمثال الزعيم الحبيب بور
08:51 - 2024/05/06
أشرقت الأنوار يوم 23 ديسمبر2021 عندما أقدمت رئيسة إحدى الدّوائر الابتدائية بالمحكمة الإدارية على
08:50 - 2024/05/06
لا شبيه لدولة إسرائيل في كل شيء عبر كل العصور، وكي تكون كما كانت وتصورتها الحركة الصهيونية وجسدته
08:49 - 2024/05/06
لقد تبين للقاصي والداني بعد طوفان الأقصى اننا نعيش في عالم التوحش، وإلى ما بعد التوحش.
08:49 - 2024/05/06
إن الهدف الرئيسي من تقديم هذه المعطيات المجمعة حول الخسائر الاقتصادية والمالية للعدو من عدة مصادر
00:12 - 2024/05/03