مع الشروق.. التقارير الرقابية .. والإفلات من العقاب..

مع الشروق.. التقارير الرقابية .. والإفلات من العقاب..

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/11/13

تقارير عديدة تصدرها سنويا مختلف الهيئات الرقابية لا تقل أهمية وخطورة عن التقرير السنوي الذي أصدرته مؤخرا محكمة المحاسبات، وتكشف في كل مرة عن تجاوزات خطيرة وعن "جرائم" في حق الدولة والشعب والمال العام لكن عادة ما يكون مصيرها التجاهل وعدم المتابعة. وهو ما أصبح يسهّل على مرتكبي هذه التجاوزات "الإفلات من العقاب" ويُشجع آخرين على ارتكاب تجاوزات وجرائم مماثلة دون ادنى خوف من الأعمال الرقابية ومن الملاحقة والعقاب.
كم من سياسي أو مسؤول أثبتت التقارير الرقابية أو الأحكام القضائية إدانته وتورّطه في ارتكاب إحدى التجاوزات الخطيرة، لكنه ينجح، بفضل ما يتوفر له من غطاء سياسي أو غيره، في الافلات من العقاب، ويذهب بعضهم حدّ إعادة ارتكاب الجُرم نفسه غير عابئ بالتقارير الرقابية وبالأحكام القضائية لأن متابعة ما يرد بها تظل في كل مرة الحلقة المفقودة التي تُسقط في الماء كل الأعمال الرقابية والقضائية.
وترصد الهيئات الرقابية سنويا آلاف التجاوزات والاخلالات في مجالات سوء التصرف الإداري والاستيلاء على المال العام والفساد، وهو ما تكشفه مثلا تقارير هيئة مكافحة الفساد والهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية برئاسة الجمهورية وهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية برئاسة الحكومة وهيئة الرقابة العامة للمالية بوزارة المالية ومحكمة المحاسبات وغيرها. كما يتعهد القضاء العدلي والقضاء الإداري سنويا بعديد الملفات التي تكشف تجاوزات خطيرة وجرائم إدارية ومالية في حق الدولة والشعب وتصدر أحكام قضائية عديدة تُدين كثيرين.
وتعدّ تونس من الدول القلائل التي تتوفر بها منظومة قانونية متطورة وواسعة تشمل كل جرائم وتجاوزات الفساد وسوء التصرف التي تُرتكبُ في حق الدولة والشعب والمال العام. كما تتوفر بها أيضا منظومة رقابية متنوعة تضم عديد الهيئات ذات الكفاءة العالية والتي تعمل وفق آليات صارمة، فضلا عن وجود منظومة قضائية قوية. وهو ما يعني – على الأقل نظريا- أن نسبة ارتكاب التجاوزات تكون ضئيلة وأن الافلات من العقاب لا مكان له، غير أن العكس تماما هو الذي يحصل عادة.
ورغم أن التقارير الرقابية يتسلمها سنويا رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس نواب الشعب وتُحال بعض الملفات الواردة بها على القضاء أو على الوزراء المعنيين لاتخاذ الاجراءات الإدارية اللازمة، إلا أن مصيرها عادة ما يكون القبر داخل الرفوف وعدم متابعة ما يرد فيها من تجاوزات وإخلالات. وهو ما من شأنه أن يُكرّس الإفلات من العقاب ويُخلّ بمبادئ الشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة في تسيير الشأن العام ويهدم جدار الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة..
اليوم آن الأوان لأن تُغيّر الدولة بمختلف أجهزتها المعنية تعاملها مع التقارير الرقابية ومع الأحكام القضائية وأن تُكرّس مبدأ "عدم الإفلات من العقاب" تجاه كل من ثبتت إدانته سواء تعلق الامر بالجرائم الانتخابية أو بجرائم الاستيلاء على المال العام أو بجرائم الفساد بأنواعه أو بجرائم سوء التصرف الإداري والمالي وسوء الحوكمة..
 فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك