مع الشروق.. محكمة الجنايات الدولية في العاصفة !

مع الشروق.. محكمة الجنايات الدولية في العاصفة !

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/06/14

خطوة بعد خطوة تمضي الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب في تنفيذ انقلاب ناعم على المجتمع الدولي. الانقلاب يجري تنفيذه من خلال استهداف المؤسسات الدولية التي أنشئت بغرض تنظيم العلاقات الدولية وقطع الطريق على الإجراءات والانحرافات الأحادية التي يمكن أن تأتيها هذه القوة الدولية أو تلك... كما حدث في القرن الماضي وأدى إلى نشوب حربين كونيتين عصفتا بحياة عشرات ملايين البشر. وخلفتا دمارا كبيرا. وشكلتا تهديدا غير مسبوق للسلم والأمن الدوليين.
لكن أمريكا المزهوة بقوتها الامبراطورية ما فتئت تزدري الهيئات والمؤسسات الأمميّة . ولم يكف أنها أفرغت الأمم المتحدة بميثاقها وبجناحيها ممثلين في مجلس الأمن الدولي وفي الجمعية العامة من أي معنى أو مضمون حتى بدأت في استهداف الهيئات المتخصّصة. ويكفي أن نتوقف عند مواقف الإدارة الأمريكية من منظمة اليونسكو وعند موقفها هذه الفترة من منظمة الصحة العالمية وأخيرا من المحكمة الجنائية الدولية... لنقف على حقيقة موقف أمريكا من كل هيئة أو منظمة انسانية تريد أن تتحرك كهيئة دولية والا تكون مصلحة تابعة للخارجية الأمريكية وخاضعة لرغبات الادارة الأمريكية وكيف يكون مصيرها التعرض إلى العقوبات وإلى حجب التمويلات أو انتظار انسحاب أمريكا منها.
آخر شطحات إدارة ترامب تمثّلت في فرض عقوبات على موظفين في المحكمة الجنائية الدولية لا لذنب ارتكبوه أو لتقصير ظهر منهم في القيام بمهامهم بل لأنهم تجرّؤوا على التحقيق في جرائم حرب من المحتمل أن تكون القوات الأمريكية ارتكبتها في أفغانستان. ومع أن الولايات المتحدة ليست من الدول الموقعة على معاهدة تأسيس المحكمة (مقرها لاهاي) ولا تعترف بسلطتها على المواطنين الأمريكيين فإن ذلك لا يعفي الولايات المتحدة من واجباتها الأخلاقية وكذلك من مسؤولياتها القانونية إزاء كل التجاوزات التي يمكن أن تصدر عن جنودها وكل الفظاعات التي يرتكبونها هنا وهناك في إفلات واضح من المساءلة والمحاسبة كما لو كان هؤلاء فوق القانون الدولي وفوق كل النظم والتشريعات التي تحكم الحروب والنزاعات الدولية والتي أرست قواعد يفترض أن يحترمها ويلتزم بها الجميع... وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة في العالم ورافعة راية الدفاع عن الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.
إن مشاهد التعذيب والقتل الجماعي والفظاعات التي ارتكبها الجيش الأمريكي في سجن «أبو غريب» بالعراق وكذلك مشاهد التعذيب والتنكيل والقتل التي نفذها الجيش الأمريكي في أفغانستان ستبقى مشاهد عالقة في ذاكرة العالم كشواهد على غطرسة أمريكا وعلى توحش آلتها الحربية... كما أن تحرك الادارات الأمريكية المتعاقبة وفي طليعتها إدارة الرئيس ترامب لحماية مرتكبي هذه الجرائم والأعمال المشينة من المساءلة والمحاسبة ستبقى وصمة عار في جبين هذه الادارات التي آن لها أن تفتح آذانها وتصغي الى رجع صدى الظلم وغياب العدالة والميز العنصري المسلطة على المواطنين الأمريكيين من أصول افريقية... وكذلك أن تصغي إلى صرخات وأنّات أرواح المعذبين في سجن "أبو غريب" وفي سجون أفغانستان.
يحلو للأمريكيين القول إن بلادهم رافعة راية الحرية في العالم.. نعم ـ ولكن لا نريدها حرية القتل والتعذيب والإفلات من المساءلة والعقاب..
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك