مع الشروق :مطلب مشروع في مواجهة كيان لا يؤتمن

مع الشروق :مطلب مشروع في مواجهة كيان لا يؤتمن

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/09

بين أروقة المفاوضات الجارية في مصر، تتجدد مأساة غزة بين جولات التفاوض المرهقة وحسابات السياسة المعقدة، فحركة المقاومة الإسلامية «حماس» تطالب اليوم بضمانات دولية صريحة لعدم استئناف إسرائيل حربها على القطاع بعد أي اتفاق محتمل لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وهو مطلب يبدو بديهيّا في ظاهره، لكنه يحمل في جوهره عمقا سياسيا وإنسانيا يعكس واقع تجربة طويلة مع كيان محتل اعتاد نقض تعهداته وخرق اتفاقاته متى سنحت له الفرصة.
منذ بداية العدوان في أكتوبر 2023، شهد العالم حجم الوحشية التي مارستها الحكومة الصهيونية الفاشية بقيادة بنيامين نتنياهو، والتي اتخذت من الحرب على غزة وسيلة للهروب من أزماتها الداخلية، وتثبيت أركان ائتلافها اليميني الفاشي، ومع مرور سنتين من القصف والتجويع والحصار، لم تعد الثقة بأي تعهد إسرائيلي أمرا ممكنا أو حتى معقولا، حيث لا يمكن الركون إلى كيان جعل من الغدر سياسة، ومن نقض العهود نهجا.
فقد أثبتت التجارب أن الكيان الصهيوني لا يلتزم إلا بقدر ما يخدم مصالحه الآنية، فكل اتفاق تهدئة أو «هدنة إنسانية» سرعان ما يتحول إلى غطاء لعمليات عسكرية جديدة، وكل مفاوضات سلام تنتهي إلى تصعيد دموي أشد من سابقه، ولهذا، فإن إصرار حماس على وجود ضمانات دولية ملزمة ليس تعنتا ولا مناورة سياسية، بل هو مطلب مشروع تفرضه وقائع الميدان وتجارب التاريخ القريب، فالحركة التي تتعامل مع عدو أثبت عدم احترامه لأي اتفاق، تدرك أن أي تنازل غير محمي بضمانات حقيقية سيكون بمثابة فخّ جديد لغزة وشعبها.
ومن الناحية القانونية والسياسية، فإن مطالبة حماس بضمانات ليست خروجا عن الأعراف الدبلوماسية، بل إنها تتماشى مع أبسط قواعد التفاوض في النزاعات المسلحة، حيث تقتضي اتفاقات تبادل الأسرى أو وقف إطلاق النار وجود طرف ضامن، سواء كان الأمم المتحدة أو دولا كبرى قادرة على فرض الالتزام، والتجارب السابقة كشفت هشاشة أي التزام إسرائيلي دون وجود رقابة وضغط دولي حقيقي.
أما من الناحية الواقعية، فإن انعدام الثقة في حكومة نتنياهو الحالية ليس مجرد موقف سياسي من حماس، بل هو قناعة تشاركها اليوم أطراف عديدة في المجتمع الدولي، بما في ذلك بعض الحلفاء الغربيين للكيان الغاصب، فالحكومة الحالية المكونة من ائتلاف أقصى اليمين الديني والقومي، تضم شخصيات لا تخفي عداءها للفلسطينيين ولا إيمانها بالحل العسكري وحده، فتصريحات وزراء مثل بن غفير وسموتريتش تكشف بوضوح أن أي اتفاق سلام بالنسبة إليهم ليس سوى مرحلة مؤقتة قبل العودة إلى سياسة الإبادة والتهجير.
لذلك، فإن مطلب الضمانات الدولية ليس فقط لحماية المقاومة، بل لحماية المدنيين في غزة الذين دفعوا الثمن الأكبر من هذه الحرب، فالمجتمع الدولي الذي وقف عاجزا طوال الشهور الماضية أمام مشاهد الدمار والمجاعة، مطالب اليوم بتحمل مسؤوليته التاريخية، لا بالاكتفاء بالبيانات، بل بوضع آلية رقابة حقيقية تمنع إسرائيل من استئناف عدوانها متى شاءت.
إن ما تطلبه حماس اليوم هو في جوهره مطلب للعدالة والكرامة، لا أكثر، فالحركة التي صمدت تحت القصف والحصار، لا تبحث عن نصر سياسي بل عن ضمانة لحق الحياة لشعبها أما الكيان الغاصب الذي اعتاد أن يكتب اتفاقاته بالحبر ويمحوها بالنار، فلا يمكن الوثوق به دون وجود قوة دولية قادرة على كبح جماحه.
ويمكن القول إن نجاح أي مفاوضات في مصر لن يقاس بعدد الرهائن أو الأسرى الذين سيتم تبادلهم، بل بمدى قدرة الوسطاء على صياغة اتفاق حقيقي يضمن وقف العدوان وحماية المدنيين، فبدون ضمانات دولية صلبة، ستبقى كل تفاهمات الهدنة مجرد فاصل مؤقت بين فصلين جديدين من مأساة غزة.
هاشم بوعزيز

تعليقات الفيسبوك