مع الشروق : اسطوانة «تسليم السلاح»... المشروخة !!

مع الشروق : اسطوانة «تسليم السلاح»... المشروخة !!

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/29

تبقى الاسطوانة المفضّلة لكل المستعمرين على مدى التاريخ هي اسطوانة «تسليم سلاح المقاومين».. أي أنه سيطلب ممّن احتلت أرضه واستبيح شعبه ونهبت خيراته وتمّ وتشريد أبناؤه أن يلقي سلاحه.. وأن يسلمه للمحتل ليفاوض بعدها على حقوقه وعلى مصالحه.. ولنا أن نتصور شكل وحجم موازين القوى على طاولة المفاوضات بين محتل مدجج بكل أنواع السلاح ومسنود بكل أشكال الدعم المادي والسياسي وبين ثائر من أجل الحق والحرية لا يمتلك أكثر من إيمانه بقضيته وتصميمه على التضحية من أجلها.
اسطوانة أو معزوفة «تسليم السلاح» وعزفها المستعمر الفرنسي وهو يرحل ويقتلع من تونس والجزائر والمغرب وعرفها المحتل الأمريكي بعد غزو العراق بغية تجريد المقاومة العراقية التي أدمت جسد المحتل بأظافرها.. الاسطوانة ـ المشروخة ـ عزفها أيضا العدو الصهيوني في جنوب لبنان.. حيث طلب ولا يزال يطلب من المقاومة اللبنانية تسليم سلاحها الذي به تذود عن بلدها وشعبها وبه تدافع عن أبنائها وعن بيئتها وكرامتها وعن حق لبنان في الحرية والاستقلال.. ومن ثم الذهاب  إلى مفاوضات ـ عبثية ـ يدرك الجميع أنها من صنف الاملاءات لتتداول بشأن حقوقها وحقوق لبنان مع عدو لا يعرف غير لغة القوة والغطرسة والعدوان ومع حليف أمريكي تعميه الصهيونية العالمية وتسوقه سوقا إلى حيث يريد ويطلب الكيان الصهيوني الذي لا يعترف في نهاية المطاف بغير لغة القوة والغطرسة لتنفيذ مخططاته للمنطقة وعلى رأسها مخطط ما يسمى «إسرائيل الكبرى».
نفس الاسطوانة المشروخة والمعزوفة الممجوجة ـ معزوفة تسليم سلاح المقاومة ـ يعزفها الآن الكيان الصهيوني الذي يطلب تسليم سلاح المقاومة الفلسطينية ليحقق بالسياسة وبالخداع والمخاتلة ما عجز عن تحقيقه بغطرسة القوة طيلة عامين كاملين صبّ خلالها على غزة وعلى أهالي غزة وعلى كل مناحي الحياة في غزة ما يعادل عشرات القنابل النووية من تلك التي صبّت على هيروشيما وناغازاكي اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية.. هذا المطلب يكرره بإلحاح الرئيس الأمريكي ـ ترامب ـ الذي يولول من منبر إلى منبر ويتوعد حركة المقاومة ـ حماس ـ بالويل والثبور ان هي لم تقبل بتسليم السلاح طواعية..
يتناسى الطرفان الصهيوني والأمريكي وهما يضغطان لتحقيق هذا المطلب أنهما يقفزان على الواقع ويتجاهلان كل وقائع الميدان.. وفي طليعتها واقع الشعب الفلسطيني الذي يخضع لاحتلال استيطاني بشع منذ أزيد من سبعين سنة.. ويقفزان على حقيقة أن فصائل المقاومة لم تلجأ لحمل السلاح للتسلّي وإنما للدفاع عن حقها وعن حق شعبها في الوجود وفي الحرية وفي الاستقلال وفي دولة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية كما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية، كما يتجاهلان حجم الصمود الأسطوري الذي أظهرته المقاومة في غزة.. وهذا الواقع وهذه الوقائع تجعل من مطلب تسليم سلاح المقاومة الآن مطلبا عبثيا ان لم نقل مخاتلة تهدف إلى تحقيق ما عجز عنه العدوان الصهيوني والسلاح والمال والدعم السياسي الأمريكي  بواسطة غطرسة القوة.
ان ترديد هذه الاسطوانة الممجوجة في هذا الوقت هو من قبيل وضع المقاومة ومن ورائها الشعب الفلسطيني أمام خيارين أحلاهما مر:
ـ اما القبول بالانتحار أو بالموت البطيء والرضوخ للاملاءات الصهيونية الأمريكية التي تخطّط صهيونيا لاقامة «اسرائيل الكبرى» وتخطّط أمريكيا لتهجير سكان القطاع في نهاية المطاف لتوظيف مساحتها في مشاريع ترامب وصهره الاستثمارية وفي مخططات أمريكا الاستراتيجية للاقليم وللعالم.
ـ وإما عودة الحرب والعدوان واستكمال جريمة الابادة والتدمير الشامل التي انخرط فيها الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي منذ عقود طويلة.
وهذان الخياران لا يتركان لشعب يعيش على أمل التحرير والعودة ولمقاومة تحمل السلاح دفاعا عن حق شعبها في التحرير والعودة إلا خيار التمسك بالسلاح والمضي في نهج المقاومة حتى الأخير.. وفي تراث الشعب الفلسطيني وفي تراث المقاومة وفي أدبياتها لا وجود لكلمة ـ تسليم سلاح ـ لأنها تعني الاستسلام والقبول بالموت البطيء على يد قوى الجور والطغيان.. وشعب الجبّارين وأهل الرباط يخيّرون في هذه الحالة الشهادة والموت واقفين على أن يرضخوا لمحتل سلبهم أرضهم وحقوقهم وحريتهم.. ويريد أن يسلبهم سلاحهم ويجرّدهم من كرامتهم التي ضحّوا من أجلها وبالغالي وبالنفيس.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك