مع الشروق : استفيقوا.. فالخطر داهم

مع الشروق : استفيقوا.. فالخطر داهم

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/29

ضبط كميات من المخدرات كانت في طريقها إلى من زلت بهم أقدامهم ، ليس مجرد خبر عابر، بل صرخة تحذير عليها أن توقظ الوعي وتفتح عيون المجتمع على حجم الخطر ،فالاكستازي والزطلة والكوكايين لم تعد تتسلل بصمت ، بل باتت تغزو الأحياء وتقتحم المدارس لتقتل الشباب وتنهش مستقبل الوطن بصوت عال وقبيح .
ضخامة الكميات المحجوزة لا تعكس فقط كفاءة اعوان الديوانة في التثبت والتدقيق والملاحقة، بل تكشف حجم الخطر الذي يهدد وطننا ، فما تم ضبطه في اسبوع واحد من شحنات كبيرة يبرهن أن تونس تحولت إلى سوق مفتوحة للسموم، وأن مافيات الموت لا تتوقف عن استغلال الفراغ وتهدد شبابنا  مستغلة كل ثغرة ممكنة أو تواطئ محتمل لنشر الخراب.
سادتي لا نتحدث اليوم عن تجارة عابرة بل عن مشروع تدمير شامل لشبابنا فالمخدرات ليست سلعة تروج تحت جنح الظلام لشاب زلت قدمه، بل سلاح داخلي يقتل العقل قبل الجسد، ويزرع الإدمان مكان الطموح، واليأس مكان الأمل. 
ولنسأل: من أين تأتي هذه الكميات؟ من يحميها؟ من يوزعها؟ من يغطي على رؤوسها الكبيرة؟ أليس منا في هذا الوطن من يتواطأ بالصمت أو بالتغاضي؟ أليس فينا وليا يخاف السجن لفلذة كبده فيصمت عن هذه السموم ، أليس منا وفينا من يعتبرها مجرد «ظاهرة شبابية»؟ ..فأي جريمة أكبر من أن نترك وطنا يُستباح بهذا الصمت والتغاضي ؟
فشبابنا الذي يُفترض أن يكون قوة تونس في حاضرها ومستقبلها أصبح مستهدفا ليكون وقودا للخراب... البطالة، اليأس، غياب الأفق، كلها أبواب مشرعة أمام هذه السموم الوافدة من معابرنا لتدمر مستقبل وطن بداية بالفرد ثم الاسرة ثم المجتمع ، فمتى دخلت المخدرات بيتا واحدا فإنها لا تترك سوى الخراب: أسرة ممزقة، جريمة متصاعدة، ووطن يسير نحو الانتحار.
تزامن عمليات الضبط وضخامة المحجوز دقت هذا الاسبوع  ساعة الحقيقة ، والمعركة ضد المخدرات ليست شأن الديوانة  والامن والحرس الوطني فقط ، هي معركة مجتمع بأكمله ،  فالمطلوب اليوم ومع انتشار الظاهرة ليس الحجز بل الاستئصال، وليس التنديد بل الفضح والمحاسبة... والاهم التوعية والمقاربات المدروسة بالتوازي مع فتح المراكز المتخصصة في العلاج والوقاية من الإدمان لأنّ حماية الشباب لا تكون بالقمع وحده بل بإعطائهم فرصة للعودة إلى الحياة دون تردد .
المواجهة لا يكفي أن تقتصر على الإجراءات الأمنية ، يجب أن تتكامل الجهود عبر بناء شبكة وطنية للوقاية والعلاج تشمل برامج توعية مستمرة في المدارس والجامعات، ودعما نفسيا واجتماعيا للمتعاطين السابقين، وتكوينا لمختصين في العلاج وإعادة الإدماج، وتفعيل برامج تشغيلية للشباب المعرضين للخطر.. 
الإعلام مسؤول أيضا والمطلوب حملات توعوية مستمرة تفضح أساليب المروّجين وتكشف خيوطهم...وفي الجانب القانوني يجب تشديد العقوبات على المتورطين في شبكات التهريب والاتجار مع ضمان محاكمات سريعة وشفافة وعادلة ، و"الجزاء" من اصل العمل..
تونس اليوم أمام امتحان وجودي. إما أن نواجه هذا السم بالصرامة والشجاعة وإما أن نسلم أبناءنا للموت البطيء ، فالمخدرات ليست قضية شاب طائش ومراهق جانح منفلت، إنها قضية وطن في خطر. ومن يبرر أو يتغاضى فهو شريك في جريمة قتل مستقبل تونس.
راشد شعور
 

تعليقات الفيسبوك