مع الشروق : هل يسقط نتنياهو في مصيدة غزّة مجددا؟

مع الشروق : هل يسقط نتنياهو في مصيدة غزّة مجددا؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/09

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، قرر رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الانقلاب على مسار مفاوضات وقف الحرب وتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية، رافعا سقف طموحاته إلى احتلال غزّة وتسليمها لقوات عربية لا تعادي الكيان المحتل، وهي محاولة جديدة للهروب من أزماته السياسية والعسكرية.
فبعد سلسلة من الفشل المتواصل في مختلف الجبهات الملتهبة، يبدو أن نتنياهو، المطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية، يعتقد أن الحل في غزة يكمن في التصعيد العسكري، رغم التجارب المريرة التي خاضها في مناطق أخرى، سواء بعدوانه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو على اليمن الصامد أو على الجنوب اللبناني.
فمنذ توليه السلطة، ارتبط اسم نتنياهو ببداية حروب وتوترات، لكن نهاياتها دائما ما تأتي مخيبة للآمال... فالرجل الذي شن هجمات على لبنان والعراق واليمن، فشل في تحقيق أهدافه التي كانت تبدو سهلة في البداية، ليجد نفسه في مواجهة عواقب غير متوقعة.
وفي ظل أزمة سياسية داخلية متصاعدة، يبدو أن نتنياهو يحاول استعادة توازن الوضع عبر الهروب الشامل إلى جبهة غزة، على أمل أن يحقق انتصارا رمزيا يرفع من معنويات حكومته المترنحة. ولكن هل غزة، التي صمدت أمام محاولات الاحتلال سابقا حتى قبل العدوان المتواصل منذ 22 شهرا، ستكون ساحة لتحقيق أهدافه، أم أنها ستكون فخا آخر؟
فالجبهة الفلسطينية وتحديدا غزة تختلف تماما عن باقي الجبهات التي خاضها نتنياهو. ففي القطاع المحاصر الأرض ترفض الاستسلام والحاضنة الشعبية تواصل دعم المقاومة رغم التجويع والحصار. وقد أثبتت كتائب القسام والفصائل الأخرى مدى صلابتها طوال الأشهر الماضية، وأظهرت قدرتها على ردع الهجمات الصهيونية عبر تكتيكات حربية مبتكرة.
ولذلك، فإن أي محاولة جديدة من جانب الاحتلال ستكون بمثابة مغامرة خطيرة وغير مضمونة العواقب، وهو ما أكدته معظم التحذيرات في الصحف العبرية، على غرار صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية العبرية التي حذرت من أن خطة الاحتلال الكامل لقطاع غزة، التي تروج لها القيادة السياسية في كيان الاحتلال، لم تعد تُقرأ فقط كمغامرة عسكرية، بل كمقامرة خطيرة قد تكون الأعلى تكلفة في تاريخ "إسرائيل" سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وسط تحذيرات متزايدة من مؤسسات أمنية واقتصادية رفيعة.
كما أشارت دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي في كيان الاحتلال إلى أن إعادة احتلال غزة ستكلف ما بين 16 و18 مليار شيكل سنويًا، أي ما يعادل نحو 4.5 إلى 5 مليارات دولار، تشمل تكاليف نشر 3 إلى 4 فرق عسكرية ميدانية، وبنية أمنية ولوجستية واسعة، مع أعباء إضافية غير مباشرة على الاقتصاد العام.
وبعيدا عن التحذيرات الصهيونية من كارثة جديدة، فإن التاريخ يذكرنا بالنكسة التي تعرض لها الاحتلال بعد انسحابه من غزة عام 2005، حيث اضطر للانسحاب تحت وطأة الخسائر البشرية والمادية، وهو انسحاب مذل يؤكد أن غزة لا تقبل إلا أن تكون حرة.
اليوم، يعود نتنياهو مرة أخرى بنفس السيناريوهات التي فشل فيها سابقا، في محاولته لتغيير معادلة الحرب ، لكن ما يغفله هو أن المقاومة الفلسطينية لم تعد كما كانت قبل سنوات. فاليوم هناك جيل جديد يخرج من تحت الركام و يقف في وجه الاحتلال، واستنزف جيشه منذ انطلاق ملحمة "طوفان الأقصى" قبل عامين.
وفي العموم، لا بد من الإشارة إلى أن مخطط احتلال غزة بالكامل يمثل تحديا عسكريا وسياسيا لنتنياهو، وفي الوقت نفسه ستكون المقاومة الفلسطينية له بالمرصاد، ولن تنسى أن أي خطوة في هذا الاتجاه لن تكون سوى بداية جديدة للمزيد من التضحية والصمود والاستنزاف..
ناجح بن جدو

تعليقات الفيسبوك