مع الشروق : خطّة ملغّمة... قبولها مشكلة... ورفضها معضلة !!

مع الشروق : خطّة ملغّمة... قبولها مشكلة... ورفضها معضلة !!

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/01

كثيرة هي الأسئلة التي خلّفها طرح ما سمي مبادرة ترامب لإنهاء الحرب في غزّة. وكثيرة هي مواطن الغموض والألغام التي تسكن في ثناياها.. وهو ما يجعل من رفضها مشكلة وفق ظروف الحرب الحالية وظروف المأساة الانسانية التي يعيشها أكثر من مليوني مواطن غزاوي.. ويجعل من قبولها معضلة لأنها تعطي المعتدي كل ما يطلب بالحاضر ودفعة واحدة.. فيما تبقى حقوق المعتدى عليه معلقة ويبقى مطلب الدولة الفلسطينية المستقلة مرهونا بـ«قد».. أي أنه قد يتحقق وقد لا يتحقق.. وهو ما يجعله إلى عدم التحقق أقرب بالنظر إلى موازين القوى وبالنظر إلى الانحياز الأمريكي الكامل واللامشروط للطرف المعتدي والمحتل والغارق في دماء الشعب الفلسطيني وهو الكيان الصهيوني.
المبادرة، أو الخطة مفخخة بالكامل وخبيثة إلى أبعد الحدود. وقد صيغت بأياد صهيونية لتحقيق أهداف وغايات صهيونية فيما حرص مروّجوها على تغليفها ببعض المساحيق التي قد تسهّل على الطرف الفلسطيني ابتلاعها. ذلك أن المتأمل في تفاصيل هذه الخطة والمدقق في ثناياها وفي خباياها يدرك بلا عناء أنها عبارة عن إعادة تدوير لخطة سبق أن وافق عليها ما يسمى مجلس الحرب الاسرائيلي وسبق أن عرضها نتنياهو.. وما جرى الآن هو فقط إعادة تدويرها وترميمها أمريكيا وبالتنسيق الكامل مع الجانب الاسرائيلي وبتوجيه كامل منه.. مع إكسائها هذه المرة وإلى جانب الغلاف الأمريكي بغطاء «عربي ـ إسلامي» بشكل يجعل  رفضها من قبل المقاومة الفلسطينية عبارة عن رفض للحاضنة العربيةـ الإسلامية وإن كانت غير موجودة وغير فاعلة على الأرض.. وكذلك عبارة عن القبول بالعزلة التامة عربيا وإسلاميا وإقليميا ودوليا وهو ما سيضرب التعاطف الدولي مع غزة ومع القضية الفلسطينية في الصميم.
هذا من حيث شكل ومظهر هذه المبادرة. أما من حيث جوهرها فهي طافحة بالفخاخ والألغام وتفضي حال تطبيقها إلى اعطاء اسرائيل كل شيء واعطاء الطرف الفلسطيني بعض الفتات والكثير من المكبلات التي ترهن حلم وأمل جلاء الاحتلال وتجعل قيام الدولة مسألة معلقة بأيدي كيان رفع راية «إسرائيل الكبرى».. ويهرول حاكمه ـ نتنياهو ـ نحو ما أسماه تغيير وجه الشرق الأوسط بالكامل ويجعل من اشعال الحروب والفتن في كامل الاقليم ـ من النيل إلى الفرات ـ عبارة عن «رياضة إسرائيلية» يتفوق فيها نتنياهو على الجميع مستندا إلى الدعم الأمريكي الكامل بالمال وبالسلاح وبالغطاء السياسي.
الخطة تعطي الكيان الصهيوني كل الأسرى (الأحياء والأموات) دفعة واحدة وفي ظرف زمني يُقاس بالساعات فيما تبقى مسألة تسريح الأسرى الفلسطينيين مسألة قابلة للنظر والتقسيط الممل والانتقائية.. وبذلك فإن الخطة تخلص نتنياهو من أكبر شوكة في حلقه شوكة تشكل ضغطا رهيبا على ائتلافه الحاكم وتهدّد بإسقاطه في أي لحظة. وبذلك فإنها تحرّر يديه بالكامل وتخلصه من كل الضغوط ليمضي في تنفيذ باقي فصول أجندته. الخطة أيضا تفضي إلى تصفية المقاومة بالكامل مع تدمير أسلحتها وتفكيك بناها التحتية واقصائها من الساحة بالكامل إما بـ«الاستسلام» وإما بالخروج من غزة نهائيا. وهذا الهدف إلى جانب تخليص  الأسرى يشكلان أهداف الحرب التي يرفعها نتنياهو والتي عجز عن تحقيقها طيلة ما يقارب السنتين رغم كل أدوات البطش العسكرية ورغم آلاف أطنان القنابل والصواريخ ورغم الدمار الشامل لكامل القطاع ورغم الابادة الجماعية والتجويع ورغم الفاتورة الانسانية الباهظة التي دفعها الشعب الفلسطيني.. وبذلك فإن نتنياهو سيجد نفسه طليق اليدين في التعاطي مع المستجدات وفي فرض أجندته بقوة الحديد والنار كما يفعل مع المقاومة في جنوب لبنان حيث يتواصل القصف والقتل واحتلال القرى والبلدات رغم اتفاق وقف اطلاق النار الذي يشرف على تنفيذه ـ أيضا ومثل خطة غزة ـ الجانب الأمريكي.. كما أن هذه الخطة الخبيثة ستؤدي إلى تبييض جرائم الكيان الصهيوني وتخلصه من تحمل تبعات جرائم الابادة الجماعية لعشرات آلاف البشر وإلى تهدئة الرأي العام الدولي الذي انتفض في كل أنحاء العالم ضد آلة القتل والتدمير الصهيونية.
ومع كل هذا يبقى السؤال الكبير وسؤال المصير قائما: هل تقبل المقاومة باتفاق بهذا الشكل؟ وهل تملك هوامش مناورة تمكنها من ابداء الرأي وادخال بعض التحويرات على مضامينه؟ وهل ضاقت هوامش المناورة هذه بعد تهافت الدول العربية والاسلامية على الترحيب بالمبادرة مما سيؤدي في حالة الرفض إلى عزل فصائل المقاومة عربيا وإسلاميا؟ وأخيرا كيف ستتصرف فصائل المقاومة للمفاضلة بين مشاكل القبول بالمبادرة ومعضلات رفضها؟ أسئلة تملك فصائل المقاومة الأهلية اللازمة للإجابة عليها. كما تملك الخبرة والتجربة اللازمتين للتمحيص والتدقيق في كل التفاصيل والألغام واتخاذ القرارات المناسبة للشعب الفلسطيني للتعاطي بـ«إيجابية وبمسؤولية» مع هذه المبادرة كما وعدت المقاومة بذلك عند استلام نصها.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك