يقسّم المواطنين إلى درجة أولى وثانية: نظام التقاعد.. فوضى عارمة
تاريخ النشر : 14:13 - 2024/06/11
يمثل نظام التقاعد في تونس كتلة من التناقضات الصارخة التي تضرب مبدأ المساواة في العمق بسبب تراكمات عقود طويلة.
والواضح أن الوزير الجديد للشؤون الاجتماعية العارف بأدق تفاصيل منظومة الحماية الاجتماعية يقف أمام جبل من التحديات التي تستدعي القطع مع سياسة الترقيع باتجاه إعادة هيكلة شاملة تدور حول قيم العدل والمساواة والتضامن بين سائر أفراد الشعب وتكرس بالفعل التزام الدولة بصون هذه القيم بوصفها جوهر النظام الجمهوري.
وعلى هذا الأساس حان الوقت لتوحيد منظومة التقاعد لأن الاختلافات الجوهرية القائمة في معايير احتساب الجرايات بين القطاعين العام والخاص تقسم أفراد المجتمع إلى مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية.
كما أن معايير الترفيع في الجرايات تزيد ظاهريا في توسيع الفوارق القائمة بين متقاعدي القطاع الخاص ونظرائهم في القطاع العمومي لكنها تكرس في الواقع مقاربة عشوائية لا تستند إلى أي منطق فحتى التعديل الآلي للجرايات المعتمد من قبل الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية يفرز بالنتيجة عدم مساواة بين كافة متقاعدي القطاع العام وذلك على خلفية أن الزيادة في أجور الموظفين تقع عادة بصفة دورية كل عام في حين قد تظل أجور كبار إطارات الدولة مثل المديرين العامين والولاة والمعتمدين وأعضاء الحكومة جامدة لمدة 10 أو 15 عاما.
وفي المقابل يبقى مصير متقاعدي القطاع الخاص مرتبطا بالزيادة في الأجر الأدنى المضمون «سميغ» التي قد تحصل مرة كل ثلاثة أو أربعة أعوام.
وبالنتيجة فإن معايير الترفيع في الجرايات تحتاج إلى مراجعة شاملة لتحقيق الاستقرار والمساواة وذلك من خلال اعتماد مؤشر التضخم لكافة المتقاعدين كما أن التراكمات السابقة تتطلب التعجيل باتخاذ تدابير استثنائية Bonification تؤكد انحياز الدولة للطرف الضعيف حيث أن الجرايات الهزيلة التي يتقاضاها عدد كبير من متقاعدي القطاع الخاص ولا تتعدى 180 دينار بالنسبة إلى 100 ألف متقاعد هي بالفعل وصمة عار على جبين المجتمع التونسي الذي أجبر شريحة هامة من كبار السن على تعاطي التسول لسد الهوة بين الجراية الضعيفة ومتطلبات الحياة الأساسية.
ما معنى أن تحدد الحكومة الأجر الأدنى ولا تحترمه هي في المقام الأول وهو ما يفرض ملاءمة كل أصناف المداخيل بما في ذلك الجرايات الضعيفة ومنحة الفقر مع «السميغ» باعتباره الحد الأدنى.
إن السبب الجوهري للجرايات الضعيفة في القطاع الخاص هو تراكمات طويلة للاقتصاد غير المهيكل التي لا يتحملها العامل بل الحكومة التي سمحت بهذا الوضع وبالتالي فإن هياكل الدولة ملزمة بفسخ تداعيات الاقتصاد الهش لمدة تناهز نصف قرن.
أما المفارقة الكبرى فهي الأداءات التي تفرضها مصالح الجباية على المتقاعدين والتي تتراوح بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة بين 26 و 35 بالمائة والحال أن المتقاعد الذي أفنى صحته في خدمة بلادها عدة قد تصل إلى 35 عاما من حقه أن يتمتع بالإعفاء الكامل من الأداءات.
لقد شهدت الوضعية الاجتماعية للمتقاعد تغييرات جذرية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي على الأقل حيث أصبحت أعباءه الاجتماعية تزداد بعد الخروج إلى التقاعد باعتباره ميزانية الطوارئ للأبناء في غمرة اشتعال كلفة الحياة.
وبالمحصلة يمثل إصلاح نظام التقاعد نموذجا حيا على الأبعاد الهيكلية لمعركة إعادة البناءات التي تخوضها تونس فالمشكل لا يكمن في قوانين أو أوامر ترتيبية وإنما في منظومات اهترأت وتحتاج إلى مراجعة شاملة.

يمثل نظام التقاعد في تونس كتلة من التناقضات الصارخة التي تضرب مبدأ المساواة في العمق بسبب تراكمات عقود طويلة.
والواضح أن الوزير الجديد للشؤون الاجتماعية العارف بأدق تفاصيل منظومة الحماية الاجتماعية يقف أمام جبل من التحديات التي تستدعي القطع مع سياسة الترقيع باتجاه إعادة هيكلة شاملة تدور حول قيم العدل والمساواة والتضامن بين سائر أفراد الشعب وتكرس بالفعل التزام الدولة بصون هذه القيم بوصفها جوهر النظام الجمهوري.
وعلى هذا الأساس حان الوقت لتوحيد منظومة التقاعد لأن الاختلافات الجوهرية القائمة في معايير احتساب الجرايات بين القطاعين العام والخاص تقسم أفراد المجتمع إلى مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية.
كما أن معايير الترفيع في الجرايات تزيد ظاهريا في توسيع الفوارق القائمة بين متقاعدي القطاع الخاص ونظرائهم في القطاع العمومي لكنها تكرس في الواقع مقاربة عشوائية لا تستند إلى أي منطق فحتى التعديل الآلي للجرايات المعتمد من قبل الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية يفرز بالنتيجة عدم مساواة بين كافة متقاعدي القطاع العام وذلك على خلفية أن الزيادة في أجور الموظفين تقع عادة بصفة دورية كل عام في حين قد تظل أجور كبار إطارات الدولة مثل المديرين العامين والولاة والمعتمدين وأعضاء الحكومة جامدة لمدة 10 أو 15 عاما.
وفي المقابل يبقى مصير متقاعدي القطاع الخاص مرتبطا بالزيادة في الأجر الأدنى المضمون «سميغ» التي قد تحصل مرة كل ثلاثة أو أربعة أعوام.
وبالنتيجة فإن معايير الترفيع في الجرايات تحتاج إلى مراجعة شاملة لتحقيق الاستقرار والمساواة وذلك من خلال اعتماد مؤشر التضخم لكافة المتقاعدين كما أن التراكمات السابقة تتطلب التعجيل باتخاذ تدابير استثنائية Bonification تؤكد انحياز الدولة للطرف الضعيف حيث أن الجرايات الهزيلة التي يتقاضاها عدد كبير من متقاعدي القطاع الخاص ولا تتعدى 180 دينار بالنسبة إلى 100 ألف متقاعد هي بالفعل وصمة عار على جبين المجتمع التونسي الذي أجبر شريحة هامة من كبار السن على تعاطي التسول لسد الهوة بين الجراية الضعيفة ومتطلبات الحياة الأساسية.
ما معنى أن تحدد الحكومة الأجر الأدنى ولا تحترمه هي في المقام الأول وهو ما يفرض ملاءمة كل أصناف المداخيل بما في ذلك الجرايات الضعيفة ومنحة الفقر مع «السميغ» باعتباره الحد الأدنى.
إن السبب الجوهري للجرايات الضعيفة في القطاع الخاص هو تراكمات طويلة للاقتصاد غير المهيكل التي لا يتحملها العامل بل الحكومة التي سمحت بهذا الوضع وبالتالي فإن هياكل الدولة ملزمة بفسخ تداعيات الاقتصاد الهش لمدة تناهز نصف قرن.
أما المفارقة الكبرى فهي الأداءات التي تفرضها مصالح الجباية على المتقاعدين والتي تتراوح بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة بين 26 و 35 بالمائة والحال أن المتقاعد الذي أفنى صحته في خدمة بلادها عدة قد تصل إلى 35 عاما من حقه أن يتمتع بالإعفاء الكامل من الأداءات.
لقد شهدت الوضعية الاجتماعية للمتقاعد تغييرات جذرية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي على الأقل حيث أصبحت أعباءه الاجتماعية تزداد بعد الخروج إلى التقاعد باعتباره ميزانية الطوارئ للأبناء في غمرة اشتعال كلفة الحياة.
وبالمحصلة يمثل إصلاح نظام التقاعد نموذجا حيا على الأبعاد الهيكلية لمعركة إعادة البناءات التي تخوضها تونس فالمشكل لا يكمن في قوانين أو أوامر ترتيبية وإنما في منظومات اهترأت وتحتاج إلى مراجعة شاملة.