سياسة الأرض المحروقة: تحويل غزة إلى أرض غير صالحة للحياة للأجيال المقبلة

سياسة الأرض المحروقة: تحويل غزة إلى أرض غير صالحة للحياة للأجيال المقبلة

تاريخ النشر : 09:00 - 2024/08/19

تستمر حرب الإبادة على شعب غزة، يظهر للعيان فيها قتل البشر وهدم الحجر ، غير أن العمليات العسكرية للجيش الصهيوني ترمي إلى أبعد من قتل الناس وجعل أرض غير قابلة للسكن. إنهم يستهدفون مستقبلها القريب والبعيد بأن تصبح غير صالحة للحياة بعد انتهاء العدوان، وذلك من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة.

ترمي إسرائيل من وراء هذه الحرب المستمرة لما يقرب العام إلى ترك أثار بيئية مدمرة في الهواء والماء والأرض، مما يؤثر بشكل مباشر على مستقبل الحياة فيها. فقد أدت الحرب إلى انبعاثات كربونية هائلة، حيث بلغت مستويات الانبعاثات حوالي 536,410 أطنان من ثاني أكسيد الكربون خلال أول 120 يومًا من النزاع، ويُعزى 90٪ من هذه الانبعاثات إلى القصف الجوي والهجمات البرية التي تشنها إسرائيل. هذه الأرقام تتجاوز البصمة الكربونية السنوية للعديد من الدول التي تعاني من آثار تغيُّر المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تسبب القصف المكثف في تلوث الهواء بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الناتجة عن استخدام أسلحة مثل الفوسفور الأبيض.

riii


يؤدي التعرض لذخائر الفوسفور الأبيض إلى تراجع إنتاجية الأراضي الزراعية فضلا عن الإضرار المميت بالنباتات المحلية. هذا وتعرضت الموارد المائية لأضرار جسيمة، حيث يتم تصريف نحو 60,000 متر مكعب من مياه المجاري والصرف الصحي غير المُعالجة يوميًا إلى البحر الأبيض المتوسط. وأصبحت منظومة مياه الشرب في غزة في وضع كارثي، وتراجعت كميات المياه بشكل كبير والحال أن الكميات المتوفرة قبل الحرب كانت أصلا غير كافية، حيث إن 90-95٪ من المياه الجوفية كانت غير صالحة للشرب. وفي أفريل 2024، تمكن سكان غزة من الحصول على متوسط يتراوح بين 2 إلى 8 لترات من المياه للشخص يوميًا، مقارنةً بـ85 لترًا للشخص يوميًا قبل أكتوبر 2023.

وتشير الأبحاث إلى أن الحد الأدنى المطلوب من المياه النظيفة لضمان الصحة والنظافة الأساسية هو 20 لترًا للفرد يوميًا. أما الأنشطة الزراعية فتوشك أن تنعدم كليا بسبب تدهور الأراضي والتربة في القطاع. فتدمير المزارع والأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الحصار المستمر منذ 17 عامًا حرم المنطقة من المدخلات الزراعية الضرورية وأدى بالتالي إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد. ومن المرجح نظرًا أن تكون التربة الزراعية في غزة قد تلوثت بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية المرتبطة بالعتاد والذخائر العسكرية من جراء القصف الهائل الذي تعرضت له على مدى ما يقرب السنة. ووفقا لقرير صادر عن الأمم المتحدة بلغت نسبة الأراضي الزراعية المتضررة في غزة إلى حدود شهر ماي 2024 57٪. . كما يشير التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية دمرت 70٪ من أساطيل صيد الأسماك في القطاع، وتواجه المواشي خطر الجوع الشديد، مما جعل الاستفادة من منتجاتها الغذائية أمرًا مستحيلًا. تُعد أشجار الزيتون من الرموز الثقافية والاقتصادية الهامة في فلسطين، حيث توفر مصدر رزق لكثير من العائلات من خلال إنتاج زيت الزيتون. ومع ذلك، تتعرض هذه الأشجار للتدمير المتعمد من قبل الجنود الإسرائيليين أو المستوطنين. جعلها رمزًا لمعاناة الفلسطينيين الذين يُمنعون من الوصول إلى أراضيهم ومحاصيلهم. يدخل تدمير أشجار الزيتون في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى تدمير الأراضي والممتلكات، خاصة في الضفة الغربية، مما يترك آثارًا كبيرة على سُبل العيش.

 الصحة العامة وأزمة المناخ: القتل الصامت
 تُعتبَر أزمات الصحة العامة والتعرض المتزايد لآثار تغير المناخ المتفاقمة من العواقب الصامتة إنما المميتة للحرب. 
هذا ويبلغ معدّل ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضعف المعدل العالمي تقريبًا.
وقد توفّي 1300 حاج على الأقلّ في مكة المكرمة نتيجة أمراض مرتبطة بالحرارة، إذ بلغت درجات الحرارة هذا العام مستويات قصوى. يواجه قطاع غزة، الذي يُعدّ أساسًا منطقة متأثّرة بتغيُّر المناخ، ظروفًا متدهورة بسبب الحرب.

وتشير التوقعات إلى أنّ الحرارة قد ترتفع بمقدار 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، ما سيؤدّي إلى تفاقم حالات الهطول غير المنتظم للأمطار وموجات الحر والجفاف.
وتجدر الإشارة إلى أنّ موجة الحر الأخيرة في شهر أفريل سلّطت الضوء على الظروف القاسية التي يعيشها النازحون، إذ توفّي الكثير من الأشخاص بسبب الحرّ.كذلك، تنهار البنية التحتية للصحة العامة تحت وطأة الحرب، علمًا أنّها كانت هشّة في الأساس بفعل سنوات الحصار الطويلة، كما انهارت أنظمة ومرافق إدارة مياه المجارير والصرف الصحي والنفايات الصلبة.
وتتراكم آلاف الأطنان من النفايات الصلبة في مكبات النفايات العشوائية في مختلف مناطق قطاع غزة، وتتدفق مياه المجارير غير المُعالجة إلى البحر. ويزداد انتشار أمراض مثل الالتهابات الجلدية وفيروس التهاب الكبد (أ) والإسهال، مع احتمال تفشي وباء يهدّد حياة الآلاف من الأشخاص.
وقد أدّت الهجمات على المستشفيات والحصار المفروض على الإمدادات الطبية إلى شلّ نظام الرعاية الصحية في غزة، ما جعل الملايين في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يزداد خطر تفشي الكوليرا بسبب انتشار الجثث المتحللة. أما الأطفال الذين يعانون من ضعف شديد بسبب جهازهم المناعي ونقص الغذاء فهم معرّضون بشكل خاص لمخاطر بالغة. 

riio


العواقب البيئيّة للحرب في غزة تطال أيضًا دول الجوار
 لا تقتصر التأثيرات البيئية للحرب على غزة، بل تطال أيضًا دول الجوار مثل مصر والأردن ولبنان.

تشهد مصر تلوثًا في شمال سيناء وشواطئها المطلّة على البحر المتوسّط، ومن المحتمل تضرّر الثروة السمكيّة والحياة البحريّة ومخزون المياه الجوفيّة، كما انخفضت جودة الهواء، ممّا أثّر على الصحّة العامّة. 
ويواجه الأردن أيضًا ارتفاعًا في مستويات تلوّث الهواء بسبب موقعه الجغرافي المحاذي لغزة.ويعاني لبنان، ولا سيّما في المناطق الحدوديّة الجنوبيّة، من أضرار زراعيّة ناجمة عن الحرب، وتلوّث كيميائي، وتلوّث من بقايا المتفجّرات.
كما أشار تقييم أوّلي إلى أنّ القصف بالفوسفور الأبيض قد تسبّب بأضرار بيئيّة واسعة النطاق، ممّا يُؤثّر على النظم الإيكولوجيّة الطبيعيّة وجودة المياه ويشكّل خطرًا على صحّة الإنسان والثروة الحيوانيّة. 

rpp


تحمّل إسرائيل تكاليف الدمار البيئي بموجب القانون الدولي 
على الرغم من أنّ البيئة الطبيعيّة تخضع لحماية القانون الإنساني الدولي، غير أنّها لا تزال “الضحيّة الصامتة للحرب”. فالدمار البيئي في غزة ينتهك العديد من القوانين والاتفاقيّات الدوليّة المصمّمة لحماية البيئة أثناء النزاعات المسلّحة.
ويؤكّد كلّ من نظام روما الأساسي واتفاقيّات جنيف على أنّ التدمير المتعمّد للبيئة يمكن أن يشكّل جريمة حرب. ويستخدم خبراء ومنظمات غير حكومية مفاهيم مثل “الإبادة البيئيّة” لوصف التدمير المتعمّد المستمرّ للبيئة في غزة. كشف تحليل حديث للأقمار الصناعية أنّ “حجم الدمار وتأثيره على المدى البعيد قد أدّيا إلى مطالبات تدعو للتحقيق في هذا الدمار باعتباره جريمة حرب محتملة، وتصنيفه على أنّه إبادة بيئيّة، ويشمل ذلك الضرر اللّاحق بالبيئة بسبب الأعمال المتعمّدة أو إهمال”.كذلك، يتطلب القانون الدولي تحميل إسرائيل تكلفة إعادة بناء غزة، نظرًا لمسؤوليّتها المُعترَف بها كقوّة محتلّة. 

ioo


“تعافي غزة من مستويات التدمير غير المسبوقة سيتطلّب عشرات المليارات من الدولارات وسيستغرق عقودًا”
 سعت تقارير أخيرة إلى تحديد حجم الأضرار المتكبّدة، والوقت والتكلفة اللّازمَيْن لإصلاح الاقتصاد والبيئة والمباني والبنية التحتيّة الأساسية وغيرها من الأصول في غزة وإعادة بنائها.
يشير التقييم المؤقّت للأضرار الذي أجراه البنك الدولي إلى أنّ التكلفة الإجماليّة للأضرار في نهاية جانفي 2024 بلغت حوالى 18.5 مليار دولار أمريكي، وقُدّرت الأضرار التي لحقت بقطاع المياه والصرف الصحّي والنظافة الصحيّة بأكثر من 500 مليون دولار؛ و629 مليون دولار في قطاع الزراعة، و411 مليون دولار في القطاع البيئي (بما في ذلك رفع الأنقاض).
وذكر تحليل أجراه باحثون في المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة الأمريكيّة أنّ انبعاثات الكربون التي ستنجم عن إعادة إعمار غزة ستفوق انبعاثات الغازات الدفيئة السنويّة التي تنتجها 135 دولة بشكل فردي. ووفقًا لمؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإنّ “تعافي غزة من مستويات التدمير غير المسبوقة سيتطلّب عشرات المليارات من الدولارات وسيستغرق عقودًا“.
ويُشير تقرير لبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي إلى أنّ “مستوى الدمار في غزة وصل إلى حدّ أنّ إعادة بناء البنية التحتيّة العامّة ستتطلب مساعدات خارجيّة على نطاق لم نشهده منذ عام 1948“،

rooo


غزة تحتاج إلى حوالى 80 عامًا لترميم جميع الوحدات السكنيّة المدمّرة
كما يذكر التقرير أنّ غزة تحتاج إلى حوالى 80 عامًا لترميم جميع الوحدات السكنيّة المدمّرة بالكامل، أي باعتماد أنماط إعادة الإعمار المتلكّئة نفسها كما خلال جولتَيْ التصعيد السابقتَيْن. 
ومع غياب أيّ مؤشّر للتوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار في الأفق، لا شكّ في أنّ الأضرار وتكاليف إعادة الإعمار ستتزايد، ما يُقوّض قدرة الشعب الفلسطيني على السكن في غزة جديد.

eruu

 


 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

قالت الشرطة الالمانية  إن شخصا واحدا على الأقل أصيب بحادث إطلاق نار في حي كرويتسبرج في العاصمة  ب
23:45 - 2025/05/01
أعلنت وزارة الداخلية المصرية، مصرع 7 عناصر إجرامية شديدة الخطورة، في مداهمة أمنية بمحافظة القليوب
23:05 - 2025/05/01
أثار قرار فرنسي بتقليص مساحة ركن السيارات الدبلوماسية الجزائرية في مقر إقامة السفير الجزائري ببار
21:50 - 2025/05/01
شهدت إسبانيا مظاهرات حاشدة بمناسبة عيد العمال، تجاوزت المطالب المحلية لتشمل قضايا دولية، إذ طالب
21:42 - 2025/05/01
شرعت قوات الأمن الفرنسية في تنفيذ عمليات توقيف واعتقال لعدد من المشتبه بهم خلال تظاهرة الأول من م
19:52 - 2025/05/01
صدر عن برنامج الأغذية العالمي يوم الخميس، إنه لم يتبق لديه أي غذاء لتوزيعه في قطاع غزة.
19:11 - 2025/05/01
في انتهاك للحياد القضائي في محكمة العدل الدولية، كشف تسجيل صوتي مسرّب عن فضيحة قانونية ارتكبها وز
17:01 - 2025/05/01
قالت الشرطة البريطانية إن محققي مكافحة الإرهاب بدأوا تحقيقا بشأن تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها أعض
16:02 - 2025/05/01