تونس تسجل غيابا كليا عن المشهد الاقتصادي العالمي

تونس تسجل غيابا كليا عن المشهد الاقتصادي العالمي

تاريخ النشر : 17:06 - 2021/02/09

أوردت وكالة الانباء الجزائرية ووسائل اعلام عالمية اخرى زيارة العمل التي اداها  نائب رئيس الكنفدرالية السويسرية رئيس الدائرة الاتحادية للشؤون الخارجية  إينيازيو كاسيس إلى الجزائر من 7 إلى 9 فيفري الجاري بدعوة من وزير الشؤون الخارجية صبري  بوقدوم
الزيارة وفق ملاحظين تعد هامة جدا من حيث المصالح المشتركة للبلدين اذ ان المنظومة الاقتصادية العالمية الحالية  انتهت بجائحة الكوفيد وقد اكتشفت  اوروبا اكبر المتضررين من الكورونا ان اقتصادها كان منغلقا و مرتبطا اساسا بالصين وهو ما عرقل نموها وجعلها عاجزة عن مواجهة الجائحة اقتصاديا.
و اليوم بدا واضحا التوجه الاوروبي الى افريقيا بنظرة اخرى و بفلسفة اقتصادية مغايرة قائمة على المصالح المتبادلة وليس اعتبار افريقيا سوقا لاوروبا فحسب كما هو الحال منذ عقود.فقرب المسافة بين دول شمنال افريقيا و أوروبا اضافة الى ما ذكرنا أسباب كافية لتعطي الاهمية القصوى لهذه الزيارة
ولــكن أين تونس من كل هذا؟لا يختلف اثنان أن تونس البلد الصغير ذو الموقع الاستراتيجي كان لوقت غير بعيد يمثل بلدا كبيرا في مكانته  الخارجية  و ثريا بكفاءاته التي غزت العالم و سوّقت صورة جميلة لتونس. و مثّل هؤلاء خير سفراء لبلدهم و جلبوا الاستثمارات ورجال الاعمال وساهموا في تدفق العملة الصعبة على بنوكنا.
لولم يأتي قوم أفسدوا الامر كله حيث أصبح التونسي عنوانا للإرهاب و التطرف و عاودت البلد الانغلاق عن ذاتها و هجرها المستثمرون و غاب حضور تونس في المحافل الدولية .
خلال العشر سنوات الاخيرة مرت الديبلوماسية التونسية بثلاث مراحل لكل منها خصوصياتها و مساوئها :
- الاولى و التي امتدت منذ 2011 الى غاية 2014 وهي فترة الرئيس منصف المرزوقي و التي تميزت بشطحات و مراهقة و خرجت السياسة الخارجية التونسية لأول مرة من سياسة الحياد المتبعة منذ خمسين عاما و التي جلبت لنا احترام العالم و بدأ الاصطفاف واضحا وراء دويلات كانت لوقت قريب تحلم بالتعامل مع تونس دون الاستفادة فعليا لا من استثماراتها و لا بأموالها انما غلبت المصالح الحزبية الضيقة على تلك الفترة و عوضت العلاقات الرسمية بين دولة ودولة واصبحنا لاول مرة نتحدث عن محاور قطرية و تركية و اخرى اماراتية و سعودية في تونس وقد كان ذلك من الكبائر في عهدي بن علي و بورقيبة .
-الفترة الثانية و التي امتدت بين 2014و2019 وهي فترة حكم الباجي قائد السبسي و التي استعادت فيها السياسة الخارجية التونسية بعضا من عنفوانها نظرا لخبرة السبسي الكبيرة و علاقاته الخارجية الكبيرة .وقد حاول الرئيس جلب استثمارات و قروض ميسرة لتونس و نجح لحد ما الا ان ما عرقل ذلك هو الصراعات السياسية الداخلية  التي خاضها و التي أثرت على صورة تونس في الخارج و قد تأكد ذلك من خلال تغير معاملة صندوق النقد الدولي مع تونس و شروطه المجحفة و الممتدة الى الان علاوة على تصنيف تونس في تلك الفترة في كل القوائم السوداء تقريبا.
ورغم ذلك كان من الممكن مواصلة تلك السياسة و استغلال ما بناه السبسي غير أن انتخابات 2019 جاءت بما لم تشتهيه السفن.
- الفترة الثالثة و هي الحالية و تميزت بعودة الانكماش في الديبلوماسية الخارجية و تكاد تونس نختفي من على الخريطة الدولية و السبب الاول في ذلك هو ان رئيس الجمهورية (مع احترامنا الكبير لشخصه) لا يمتلك اية علاقات و صداقات خارجية و هو شخص غير معروف للقادة في العالم و للمؤسسات الدولية وهذا الغموض الذي يلف شخصه يجعل هؤلاء متخوفين من الاستثمار في تونس و من التعامل مع الديبلوماسية التونسية .
وفي هذه الفترة انحسرت الاستثمارات بشكل واضح في تونس و عجز البلد على مجاراة جائحة كورونا نظرا لضعف الديبلوماسية وفي وقت كنا فيه السباقين في الحصول على الادوية و الاختراعات الجديدة و غيرها نجد اليوم انفسنا عاجزين عن توفير لقاح للكورونا ولو لم نصنّف في خانة الدول الفقيرة التي ستمنحها منظمة الصحة العالمية جرعات محدودة لما تمكنا من الوصل اليه .
دون مغالبة لابد من الاعتراف أن الازمات الاجتماعية و السياسية التي تعيشها البلاد اليوم مردها الاول انسداد افق السياسة الخارجية و الحل لكل مشاكلنا لا يمكن أن يأتي الا عبر تدفق الاستثمارات و الهبات علينا .لان كل الافاق سدت هنا وكل الحلول استهلكت و لا مناص من عودة الانفتاح الكلي و التشجيع على الاستثمار بخطوات شجاعة تغري المستثمرين .
فاليوم تونس أجبرت على الانغلاق على ذاتها و المسؤولين فيها عاجزون عن مخاطبة الاخرين و لا صداقات حقيقية لهم مع الفاعلين الدوليين .
و البلد اليوم يعيش يتما لم يعشه طوال تاريخه الطويل مقابل استغلال جيراننا و اصدقائنا لهذه الوضعية –وهو من حقهم- و تحويلهم لعدد من المشاريع الضخمة كانت قادمة لتونس او مستقرة فيها لبلدانهم.وكان من الممكن استغلال جائحة كورونا في تقديم الاغراءات للمستثمرين الاجانب و المحليين مع التركيز على الشركات الصغرى التي تعد العمود الفقري لأي اقتصاد ومنح التسهيلات  اللازمة لتأسيسها مع العمل على انقاذ الموجود منها من مخلفات الجائحة و مساعدتها على جدولة ديونها و التكفل بقسط من الاعباء الاجتماعية التي انهكتها.
لكن اليوم نحن بعيدون كل البعد عن هذا و غائبون عن الاسواق الدولية و المشهد الاقتصادي الدولي و اقتصادنا اليوم يكاد يكون لسد الرمق و منح المرتبات.
تونس اليوم تعيش  في السياسة الخارجية منغلقة .فمن ينقذها؟؟
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15
مرّت ذكرى يوم الطفل الفلسطيني الموافق للخامس من شهر افريل هذه السنة في ظروف صعبة لواقع الطفل الفل
09:16 - 2024/04/15
بقلم: محمد سعد عبد اللطيف (مصر) كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية
09:16 - 2024/04/15
ذكرى تونسة الأمن  هي ذكرى خالدة وعزيزة على كل التونسيين، تضاف إلى الذكريات الوطنية الأخرى في تونس
07:00 - 2024/04/14
بحسب رأيي وفي الوقت الحالي وأمام أهوال ما بلغه العدوان الصهيوني على شعبنا وأراضينا الفلسطينية الم
23:29 - 2024/04/10
قال: لولا التقلبات السياسية في أوروبا والتهديدات الألمانية لفرنسا سنة 1938 لتم الحكم على الزعيم ب
07:00 - 2024/04/08
لوقت غير بعيد و تحديدا ما قبل سنة 2011 كانت السياحة في تونس أول مموّل للمالية العمومية من العملة
07:00 - 2024/04/08