بناء الجهات والأقاليم طريق بناء المشروع الوطني التنموي المندمج: فلسفة وقانونا وسياسة واقتصادا

بناء الجهات والأقاليم طريق بناء المشروع الوطني التنموي المندمج: فلسفة وقانونا وسياسة واقتصادا

تاريخ النشر : 18:08 - 2023/09/22

كما كان متوقعا اكتمل تقريبا رسم الهندسة الشاملة لمشروع الجهات والاقاليم بالنصوص أي بالدستور والقانون الانتخابي والمراسيم والأوامر... وهكذا. وتم التحضير لكل هذا حتى برزت صورة الحدود الترابية الداخلية بكامل الخريطة الوطنية وتمت هندسة الأقاليم، والأفضل تحديد وبناء الأقاليم، (فعبارة تقسيم هنا مجرد كلمة مثلما نقول ينقسم القصيد إلى أبيات وينقسم المنزل أو البيت إلى بيوت أو غرف ولا توجد دولة لا تتركب أو لا تنقسم بهذا المعنى أو ليس فيها أقاليم أو جهات أو غير ذلك، فالتقسيم هنا تحديد وتشكيل وتركيب وتكوين وبالتالي بناء وهي عبارة ليس لها أي تأويل سلبي كما يريد البعض إلا إذا انقلب الهدف إلى ضده ولم تتم حياكة الأمور بالشكل المطلوب ضد أي ترسبات قديمة هي جزء من التاريخ أو مخططات جديدة تستهدف وحدة الوطن والشعب قصدا وعدوانا. 

يعتبر هذا المشروع موضوع حلم وطني وهو مجال فكر ودراسات وتطلعات نظرية كبرى قبل وبعد 2011 ومحل مطالبات وانتظارات سياسية قبل وبعد 2011. وهنا نستذكر فقط على سبيل الذكر لا الحصر الجهود الجليلة لأستاذنا الجليل عمر بالهادي مذ كنا طلابا قبل 2011 طبعا وحتى بعدها أي عند تلك المحاولة في إعادة مجلة اطروحات إلى الوجود في السنة الأولى بعد 2011. وما ذكرنا لأستاذنا الجليل، أستاذ الجغرافيا وصاحب المواقف الوطنية السياسية وصاحب العقل الكبير في الجغرافيا البشرية والجغرافيا المجالية والجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا التنموية، وغيره في الحقيقة، ما ذكرنا ذلك إلا من باب التأكيد على حصول القناعة الراسخة لدينا وفي أوساط واسعة في ذلك الوقت وفي سياقات متنوعة ومنها سياقات الانتفاضات، ومنها الحوض المنجمي، قناعتنا بفكرة العدالة التنموية وهي فكرة مركزية غير قابلة أبدا للتجاوز في بناء أي مشروع وطني عادل وواعد وحقيقي وقادر على تغيير أوضاع بلادنا وشعبنا نحو الأفضل. هي بطبيعة الحال قناعة سياسية ولكن أهم من ذلك وقبله هي قناعة علمية تعمقت في عقولنا في أوساط علمية ذات رؤية وآفاق. ونحن لا ندعي هنا ان ما كنا بصدده بخصوص الأستاذ بالهادي أو غيره هو نفس المشروع المتكامل أو نفس التطلع الحرفي الشامل أو نفس الاتجاه وإنما نتحدث عن سيرة ومسيرة منفصلة عن مسار ما يسميه البعض 25 جويلية ونسميه مسار 17 ديسمبر - 25 - جويلية. وهي من ناحية 17 ديسمبر في قلبه وأما من ناحية 25 جويلية فهذا أمر مختلف حوله ولا نلتزم هنا إلا بقناعاتنا الشخصية والجماعية ولا نقحم فيها أحدا لأن غرضنا الأساسي هو القول انه في ذلك الوقت ومع تلك النخبة، ومنها مرة أخرى الأستاذ بالهادي، كان الأساس العدالة بين الجهات والتوازن الجهوي وبين السواحل والدواخل وفكرة الأقاليم التنموية التي تقلب النظام التنموي والنظام الاقتصادي والاجتماعي وتحقق الاندماج الوطني المجالي والبشري والاقتصادي والتنموي. وحصل لدينا حينذاك الايمان بالثورة التي يجب أن تقوم على بناء أقاليمي عرضي (بالسكون على الراء) خماسي أو بالعرض يؤدي إلى أقطاب تنموية مندمجة متكاملة (والتي لابد فيها أيضا من أقطاب حكومية أو وزارية تسبق أو تلي ومن بناء جديد جهوي ومحلي إداري ومؤسساتي أيضا) ويحقق ازدهارا وطنيا شاملا بأبعاد جيو - اقتصادية وأبعاد جيوسياسية وأبعاد جيوستراتيجية لا تهم بلدنا فقط وإنما ما هو أبعد (وللتاريخ هنا كنا نستغرب كيف لا يقيم النظام ولا تقيم الثقافة العامة وزنا للجغرافيا، وأمور أخرى طبعا، وكيف لا يعرف شعبنا بلاده من حيث الجغرافيا وكيف لا تدرس الجامعات مثلا الجيوسياسة فيما أبعد من بعض الملامسات الفردية العابرة للجغرافيا السياسية. وحصلت يقظة فكرية وسياسية بالنظر إلى كل هذا). وبالمحايثة وفي نفس الوقت أو حول نفس الزمنية قبلا وبعدا وتزامنا كانت هذه القناعة منتشرة بين عديد أصحاب الأفكار والمشاريع وليست حكرا على أستاذ أو مجموعة من الأشخاص، حيث برزت أيضا في القناعات السياسية لعدة أطراف وطنية، بصرف النظر عن مواقفها وممارساتها الحالية.

 وبرزت عند الرئيس ورفاقه والمجموعات التي تعاونت وتشكلت بطرق مختلفة قبل وبعد 2011 وقبل وبعد 2019 وتقاطعت هنا واختلفت هناك وجاء هذا وذهب ذاك وتعاونت في مرحلة دون أخرى أو في كل المراحل أو انقطعت أو عاودت التقاطع أو الاندماج أو الافتراق... وهكذا. غير ان ما يميز الخط الذي أصبح مشروعا وطنيا وشعبيا وجامعا إلى حد كبير، أيضا بصرف النظر عن واقع الحال وتقييماته، والذي تتشكل قيادته الأساسية الحالية من داخل الدولة وأساسا الرئيس ومؤسسة الرئاسة، وطبعا مرة ثالثة بصرف النظر عن النقد والنواقص، ما يميز هذا الخط هو حضور المقاربة القانونية وتحويل هذا المشروع إلى واقع سياسي يقترب من الاكتمال. 

نهدف هنا وفي هذا الوقت إلى ابداء بعض الملاحظات المبدئية الأولية. ويلاحظ القارئ اننا نستخدم عبارات تنسيب من نوع تقريبا ويقترب إلى جانب عبارات النواقص والنقد. ومرد ذلك أربعة أمور: فلسفة ونقصد الفكرة السياسية العامة وقانونا أي التشريعات والنصوص المختلفة وسياسة أي التنظم والانتظام السياسي والانتخابي واقتصادا أي قضية التنمية الوطنية الشاملة أساسا. فعندما نتأمل جيدا في واقعنا نستنتج انه يوجد مشكل ما في الترتيب فالسياسة الوطنية بمعنى الفكرة والمشروع والتنظم والانتظام ثم سياسات الدولة العمومية لا يمكن أن تحل بالقوانين والانتخابات فقط وقبل السياسة الوطنية ولا يمكن أن تتحول إلى إقتصاد وحياة مباشرة أو آليا ودون سياسة وطنية. وهذا بصرف النظر عن نظرة هذا وذاك للسياسة والتنظم والانتظام وللعمل السياسي وكيف يقارب انجاز هذا المشروع المركب لا المعقد وكيف ينظر إلى المرحلة وتكتيكها والدولة ودورها والشعب وطريقة وحجم انخراطه وكيف يتشكل المجتمع السياسي والمدني والأهلي من جديد وكيف يعاد بناء المجتمع والدولة من جديد، وبالأحرى كيف يستكمل بناء الدولة الوطنية وكيف تستكمل الثورة وتصبح ثورة وطنية سيادية تبني دولة وطنية سيادية...
وإلى ما هنالك من مفاهيم نستخدمها من سنوات وهي موثقة ومن نقاش مهم وشاق. وكل هذه الأمور يجب أن توضح أكثر فأكثر والمسؤولية الرئيسية هنا تحمل على الخطاب الرسمي للدولة وبالتالي خطاب رئيس الجمهورية في هذا المستوى الفكري والسياسي. وأما في المستوى القانوني والانتخابي، وبصرف النظر عن الإجابات التي يمكن أن نقدمها حول عديد التساؤلات التي نستمع إليها كل يوم في الشارع أو في الإعلام بخصوص بناء الديمقراطية القاعدية الموسعة وبخصوص علاقات المجالس وبخصوص الأدوار الصلاحيات والوظائف، لا يجب أن تدار الأمور بالتصريحات التي لا سند رسمي ولا صفة قانونية لها وإنما لا بد من إصدار نص توضيحي جديد يعالج كل هذه المشاكل وهذه مسؤولية الرئيس وهيئة الانتخابات. ولا نتحدث هنا عن الصعوبات السياسية العامة التي ستخاض فيها الانتخابات وكيفية المشاركة أو عدم المشاركة وما الذي سوف تخلفه تجربة أولى في مناخ جديد وفي ظروف صعبة... والخ. وهذا أمر لنا فيه رأي جاهز ليس هذا المقال مجاله. وبالإضافة إلى ذلك أيضا تحتاج كل هذه الأمور إلى حكمة عامة وإلى مجالس حكماء وسوف نأتي إلى هذا لاحقا بعد هذا المقال. 

في المحصلة، نحن أمام مجلس للجهات والاقاليم ولسنا أمام مجلس اقتصادي واجتماعي معين كما كان يريد البعض قبل وأثناء وبعد الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل دستور جديد، وحتى قبل 2011، وهذا أيضا بحث آخر. وإن طريق الجهات والاقاليم مبادرة جهات وأقاليم حيث التنمية عدالة وحيث السيادة ديمقراطية كما كتبنا في مقالات سابقة، ما يتطلب أيضا في الهندسات وفي الجغرافيات وفي السياسات تحديدا تاما لاستراتيجية بناء وطني تنموي مندمج يكون الشعب مشاركا فيه ومطلعا على نتائج مشاركته وممثليه وموافقا على المآلات في شؤون السيادة الغذائية والطاقات البديلة والمتجددة والتعليم والصحة والنقل والثقافة والمشاريع الاقتصادية في البنى التحتية والصناعة والتجارة وإعادة تنظيم البنوك بما فيها البنك المركزي ومراجعة الاتفاقيات الدولية واعداد خطة مستقبلية للتصنيع في المجال العسكري وغيره واستراتيجية البلاد الخاصة بنقل التكنولوجيا وتوطينها ومجالات البحث والابتكار والتطوير والريادة فيها... وهكذا في سائر الأمور التي لم نذكرها. 

إن مجلس الجهات والاقاليم المرتقب مختلف تماما عن مجلس النواب لعدة أسباب هذا ليس مجالها الآن ولا طريقة التعامل مع هذا الاستحقاق مجالنا هذا. غير ان أهميته بالغة وانجاحه واجب وطني كبير بالنظر إلى أهدافه ومهما كانت النواقص الحالية وصعوبات الواقع الحالية. ففي كل الحالات سنقطع هذه الخطى والمراحل حيث يقدر علينا أن نبني ما هو أفضل. وهذه دعوة لتدارك الاختلالات في أقرب الأوقات والاستعداد بالقدر المطلوب كأفضل ما يجب وبالقدر المستطاع لكل من يعنيهم الأمر. وإن حركات الديمقراطية الوطنية السيادية أو حركات السيادة الوطنية الديمقراطية والشعبية في صلب هذا المشروع الوطني والتي حددناها قبل سنوات بثلاث وهي بناء الأسس والتنفيذ والتحصين لتتطلب تخطيطا وتنفيذا استدعاء نفس الهبة الوطنية الشعبية التي لا يتم شيء أبدا دونها.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

إن الهدف الرئيسي من تقديم هذه المعطيات المجمعة حول الخسائر الاقتصادية والمالية للعدو من عدة مصادر
00:12 - 2024/05/03
إن آخر ما يتبادر إلى الذهن تحليل ما يجري في الجامعات الأمريكية.
21:21 - 2024/04/27
قياسنا هنا 7 أكتوبر وطوفان الأقصى واليوم الماءتان.
23:48 - 2024/04/23
تعقيبا وتعليقا على الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل كردة فعل على الهجوم الصهيوني الذي أودى باس
07:00 - 2024/04/22
تزامن عيد الفطر هذه السنة في غزة مع دخول طوفان الأقصى شهره السابع وما خلّفه العدوان الصهيوني من د
07:00 - 2024/04/22