الكورونا والكلوروكين

الكورونا والكلوروكين

تاريخ النشر : 14:47 - 2020/04/10

      على بُعد اقلّ من ساعة سفر بالطائرة، توجد مدينة مرسيليا احدى اهم بوابات المتوسط للقارّة العجوز، وثاني اكبر مدن فرنسا.
في مرسيليا، و مع سقوط أولى ضحايا فيروس الكورونا، ظهر جدل حاد غذّته دعوة البروفسور ديديه راوولت ،العالم في الأمراض الوبائية و مدير المعهد الجامعي المتوسطي ،إلى وصف دواء الكلوروكين-المعدّ عادة لمعالجة مرض حمّى المستنقعات- للمصابين بالكورونا.
وقد تطوّر الجدل بين مؤيّد  للبروفسور  راوولت و معارض له إلى انقسام في جسم المجتمع العلمي في فرنسا لم يلبث ان تحول، تحت ضغط الرأي العام، إلى خلاف فكري و علمي ادخل بلبلة كبيرة بين جمهرة العلماء و الباحثين، و في المجتمع الفرنسي بأسره، ما دفع الرئيس الفرنسي إلى التحوّل امس الخميس إلى مدينة مرسيليا للالتقاء بالبروفسور للاطلاع عن قرب على تجربته و لتوجيه رسالة تهدئة، في ذات الوقت، إلى العلماء و إلى الرأي العام على حد السواء.
نثير هنا هذا الموضوع ليس فقط لأنه يتعلق بقضية الساعة و البحث عن دواء للفيروس القاتل،و لكن  كذلك لغياب كل اهتمام علني و نقاش مفتوح حول تجربة البروفسور راوولت في بلادنا و حول استعمال دواء الكلوروكين و نجاعته و مخاطره.
لماذا يحرم علماء تونس وباحثوها و أطباؤها جماهير المواطنين من منافع النقاش حول مثل هذه المواضيع الحيوية-بالمعنى الكامل للكلمة-و يوفوتون عنهم فرصة التثقّف الصحي؟ اليست المجموعة الوطنية من دفعت تكاليف تعلّم وتكوين هؤلاء العلماء و الأطباء مما يجعلهم مدينين لها؟ و هل من فرصة أفضل من التي تُتاح اليوم لتقديم المعلومة الطبية  وللتأسيس  لعلاقة فكرية ترقى بالخطاب العلمي ببلادنا؟
ثم ، وإذا اعتبرنا ان أساتذتنا و علماء الطب عندنا هم خريجو المدرسة الفرنسية للأسباب التاريخية التي نعرفها،فان ذلك لمما يدفع إلى الاهتمام اكثر بالجدل الدائر في فرنسا حول دواء الكلوروكين و إلى الإسهام في بلورة البحوث،نظريا و تطبيقا،حول هذا الدواء.متى سنبقى مجرّد عقول للاستيعاب؟
أليس من حق المواطن التونسي ان يعرف؟ وان يعرف من المصدر الصحيح؟ وان يكون هذا المصدر الصحيح وطنيا حتى نبني الثقة الكاملة بين نخبنا ومواطنينا ونتعلم التعويل على قدراتنا وعلى كفآتنا؟

وبالعودة إلى الكلوروكين فهو إلى حدّ اللحظة الدواء الممكن الوحيد ضد الكورونا، و يكون اذن من الغباء ،الاستغناء عن استعماله ان صحّ ما يدّعيه ديديه راوولت.
احد المفكرين شبّه دعوة هذا البروفسور إلى التداوي بالكلوروكين مثل رهان الفيلسوف باسكال(Pascal). هذا الفيلسوف الفرنسي المؤمن كان في القرن السابع عشر يدعو الناس إلى الإيمان سواء كان الله موجودا أو غير موجود.فاذا كان موجودا ضمن الإنسان المؤمن دخوله إلى الجنّة، و إن لم يكن موجودا لم يخسر ذلكم الإنسان شيئا.
و إذا أسقطنا رهان الفيلسوف على اللجوء إلى الكلوروكين يكون استعمالها نافعا و في كل الحالات غير مُضرّ؟ على علمائنا ان يجيبونا.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

تعرض رواية "مواسم الريح" للروائي التونسي الأمين السعيدي بعمق الصراع الأيديولوجي في مختلف دول العا
20:57 - 2025/12/25
  بقرية الشهب على أطراف مدينة جلمة من ولاية سيدي بوزيد ولد الأمين السعيدي في 10 ماي 1983
20:13 - 2025/12/24
لا أحد عاقل يتوقع أن يعم الهدوء فى المنطقة ، ولا أن تسود اتفاقات «أبراهام» اللعينة إياها ، بل أن
07:00 - 2025/12/22
كلما اتيحت لي فرصة زيارة ولايتي مدنين وتطاوين الا وقمت بزيارة للآثار المتواجدة في الولايتين المذك
07:00 - 2025/12/22
في الحقيقة والواقع كان يوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 يوما تاريخيا فاصلا بين مرحلتين اثنتين لا ثالث
07:00 - 2025/12/22
نظرًا للتفاعل الواسع الذي أثاره هذا الموضوع عقب نشر المقال الأوّل بالعنوان نفسه في جريدة الشروق،
07:00 - 2025/12/21
كان باولو روسي على مشارف الغياب عن كأس العالم 1982 و لكنّ المحكمة خفّفت الحكم الصادر ضدّه من ثلاث
07:00 - 2025/12/21
لم توفق الحكومة في الوصول الى معرفة المكان الذي يوجد به البطل " فاروق" بعد ان فقد عقله، لم تشفع ل
21:17 - 2025/12/20