الحرب على الوباء الأول: الصبر الاستراتيجي لمقاومة فيروس العبودية الاستهلاكية

الحرب على الوباء الأول: الصبر الاستراتيجي لمقاومة فيروس العبودية الاستهلاكية

تاريخ النشر : 23:49 - 2021/04/29

الشعوب التي تعلمت كيف تنتصر، تعلمت كيف تتقدم. وما تقدمت إلا بالصبر والثبات والمثابرة ومواجهة الصعاب وكسرها. هذا ما حصل مع عدة أمم كبرى وعلى رأسها الصين الشعبية التي اعتقد شعبها في استراتيجية الصبر الاستراتيجي منذ قرون. وبالصبر الاستراتيجي تجاوز الصينيون حرب الافيون الأولى ضد بريطانيا وتجاوزوا حرب الافيون الثانية ضد بريطانيا وفرنسا.
ليس علينا في مقامنا هذا أن نقارن بين أمم متباعدة ولا بين شعوب بينها فوارق جسيمة. غير أن ثقافة خوض المعارك بنفس طويل وبصبر عميق لتخفيف الأكلاف والنهوض من الصدمات والتمسك بالخروج الآمن من المآزق الكبرى لا تقوم إلا على هذا المبدأ الثابت.
نعم نحن في مأزق صحي خطير نتيجة الحصار الشديد الذي يضربه حولنا وباء كورونا دونما أي غطاء طبي فعال ولا بنية تحتية صحية صلبة ولا أساس اقتصادي متين ولا حتى مثل أعلى معنوي يعزز الدافعية الايجابية والحافزية الروحية والنفسية. فإما أن نؤمن خط رجعة بمعنى الفكاك من الحصار والعودة لوضع أكثر أمانا ما يتطلب انكماشا كبيرا على كل الصعد وإما بالعبور عبر المخاطرة إلى مرحلة أكثر تحصينا من الناحية الاقتصادية ومن ناحية الإمكانيات الصحية وتحمل كلفة الأرواح الباهظة ما يتطلب خطة سياسية شاملة تدفع الكل الوطني نحو هذا الاتجاه، وهذا أمر معدوم تماما في بلدنا هذه الأيام لأسباب يعرفها القاصي والداني.
لنتصوف إذن قليلا في نوع من الحرب الدفاعية المعنوية والسلوكية. ولعلنا بتشخيص الوباء الأصلي الذي ينخر مجتمعنا وهو وباء الاستهلاك المتوحش قياسا إلى امكانياتنا، نحول هذا المأزق إلى فرصة حرب على على ما نعتبره الوباء الأول وهو وباء الاستهلاك خاصة في سياق وباء فيروسي خطير نرى أن العادات الاستهلاكية تزيده نارا في أجساد شعبنا، بل العبودية الاستهلاكية أنكى. حتى إذا ما خسرنا بقسوة، نتدرب ونتعلم على الأقل أو نكسب قيما حضارية جديدة نواجه بها المستقبل. ولنعتبرها حربا مجتمعية أولى باستراتيجية الصبر الاستراتيجي كما لو كنا نصنع سجادا مجازيا على ألف سنة واقعية. 
إن إعادة تهذيب الذات حسب رأينا تقهر كل مكروه. فلجم الذات عن الاستهلاك وعن العادات وعن الملذات وعن كل أنواع التلهية الجماعية والعائلية وعن أمراض الشاشات والحواسيب والهواتف هو الحل الأوحد لمواجهة الفقد المر والفراق الأمر. 
عمليا نحن في دولة خائرة تجرها زمرة متوحشة الفشل وحشية التمسك بسلطة واهية، وعليه يجدر بكل صاحب عقل أن يجنب نفسه بالتوقي التام والتعقيم الدائم، فإن المسافة نصف الأمان الموثوق والنظافة نصف الدواء الفعال والنصف المتبقي عقلنة الغذاء والحركة والعلاقات بكل يقظة واريحية وثقة في الله وفي النفس.
وعلى كل صاحب ضمير حر وحي أن يقلع نهائيا عن العادات الاستهلاكية السيئة ويكتفي بالضروري البحت وأن يقلع نهائيا عن ارتياد الأماكن المغلقة ويكتفي بالمحلات المفتوحة الصغيرة والقريبة من سكناه وان يقلع الجميع عن العادات الجماعية والاختلاط الاسري الزائد والزائل والزائف الذي لا ينفع أحدا بل يفرق الأحبة ويقتل الأعزاء ويحرم الجميع حتى من تحمل مستلزمات الموت المعتاد. وان يتحمل كل مسؤوليته المهنية واليومية في تقديم خدمة آمنة لمن يستحقها حتى تستمر حياتنا ولا نساهم في انهيار وطننا كما يفعل الصبيان والشيوخ بل تتحتم علينا المشاركة المدروسة في الإنقاذ. 
التوبة عن السوق القذرة والتخلي عن الاستهلاك الهمجي والقطع مع رأس المال الاشهاري المستعبد للبطون والابدان دون أي وجه ضرورة، والابتعاد عن زيف الاختلاط الشخصي والمهني والعابر الذي لا هو صلة رحم فعلية عند الاقتضاء ولا هو تكافل وتحابب فعلي كما تقتضي الضرورة ولا هو عمل ولا هو أمل في الخروج من الانهاك النفسي والاجهاد الروحي.
حرروا أنفسكم من أشباح عصابات التقتيل المادي والمعنوي  واكتفوا بما هو أقرب إلى كل ماهو طبيعي وخذوا مسافة عن كل المهالك.
تنفسوا نقاوة الصدق والإيمان بأن مواجهة ما يجري للبشرية من قدر وعدوان يواجه بذات الوعي لأن في القدر مخرج ونجاة ورحمة وليس جبرا مطلقا وتواكلا واهمالا مشينا يتحول إلى إلقاء التهمة على السماء، وبأن العدوان يهزم ويقهر فرديا وجماعيا دون أذية أحد والتسبب في إعدام أحد.
لا حلول عند الذين يسمون أنفسهم نظاما ولا حلول في العويل والنزيف النفسي والاجتماعي وفعل عكس ما يتوجب فعله.
سياسيا، يجب أن يطبق التسخير الصحي والتمويني بكل أدوات الضغط الممكنة. ويجب أن تذهب الأمور إلى أقصاها في إجراءات استثنائية تحدثنا عنها وغيرنا كثير الف مرة، قبل فوات الأوان.
وعند العبور، يجب محاسبة كل من يجب محاسبته وبقسوة.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

في جنوب سوريا برز «سيدٌ»جديدٌ يأمُرُ ويُنْهِي، ويسرُقُ الأراضي، ويُقيمُ القواعد العسكرية، إنَه ال
07:00 - 2025/07/28
عندما كنت صغيرا وأبلغ من العمر 11 سنة أول منظمة انخرطت بها الكشافة التونسية بمدينة بن قردان تحت ق
07:00 - 2025/07/27
من الكلمات الخالدة في تاريخ المقاومة ما قاله الزعيم الخالد للأمة العربية جمال عبدالناصر "أن المقا
07:00 - 2025/07/26
كنّا في هذا الوطن سكّانًا… لكنّنا، عجزنا عن التحوّل إلى مواطنين، تراجعنا إلى قاع السلم الحضاري، و
07:00 - 2025/07/26
بدأ شبح المجاعة يطل بوجهه القبيح على سكان قطاع غزة المحاصر ويفتك بأطفاله واحد تلو الآخر، وبات سكا
07:00 - 2025/07/26
في ظل غياب نظام سياسي متوازن بعيد الإستقلال  يفصل السلط عن بعضها و فقدان تام لأسس الدولة الوطنية
14:03 - 2025/07/22
انتشرت في الأسابيع الأخيرة عدة تحليلات وعدة خرائط على وسائل اعلام مقاومة وأخرى "عربية" وثالثة دول
14:36 - 2025/07/21