مع الشروق : هل تستطيع باريس طيّ صفحة الماضي مع الجزائر؟

مع الشروق : هل تستطيع باريس طيّ صفحة الماضي مع الجزائر؟

تاريخ النشر : 19:25 - 2025/11/28

بعد أشهر من التوتر والخلافات والتصعيد المتبادل، الذي كاد أن يدفع العلاقات الجزائرية–الفرنسية إلى نقطة اللاعودة، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحريك المياه الراكدة معلنا عن رغبته  في  إقامة علاقة «هادئة» مع الجزائر، معترفا في الآن نفسه بأن «الكثير من الأمور» لا تزال بحاجة إلى «تصحيح» بين البلدين.
هذا الموقف لم يأتِ من فراغ، بل جاء في لحظة دقيقة شعرت فيها باريس بأن القطيعة مع الجزائر ليست خيارا قابلا للاستمرار، لا سياسيا ولا أمنيا ولا اقتصاديا. وفي خطوة اخرى تؤكد نهج باريس الجديد في اذابة الجليد مع الجزائر منذ أشهر الجمود والقطيعة الدبلوماسية، حطت الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، آن ماري ديكوست، في الجزائر على رأس وفد دبلوماسي رفيع المستوى في زيارة تحمل في طياتها أكثر من رسالة، وتعد أول اختراق فعلي للجدار البارد الذي خيّم على العلاقات بين البلدين منذ أفريل الماضي. هذه الزيارة، وإن لم تُعلن تفاصيلها كاملة للرأي العام، إلا أنها كشفت بوضوح رغبة فرنسية في إعادة فتح قنوات الحوار، والبحث عن أرضيات مشتركة تسمح بإعادة الحد الأدنى من الدفء إلى علاقة أنهكتها التصريحات الحادة والمواقف المتشنجة.
ويبدو ان باريس قد أدركت ، متأخرة ربما، أن تجاهل الجزائر أو التعامل معها بمنطق الإملاءات لم يعد مجديا في عالم يتغير بسرعة.
فالجزائر اليوم مثلها مثل دول شمال افريقيا ليست فقط شريكا اقتصاديا ، بل فاعلا إقليميا أساسيا في ملفات الأمن والطاقة والهجرة ومحاربة الإرهاب... وبالتالي فإن الإبقاء على القطيعة يعني خسارة حليف استراتيجي في لحظة دولية حساسة تُعاد فيها صياغة التحالفات والنفوذ.
ورغم التفاؤل الفرنسي بتصريحات ماكرون والتحركات الديبلوماسية لاصلاح ما يمكن اصلاحه الا ان  أي حديث عن تطبيع العلاقات يظل ناقصا دون التطرق إلى جذور الأزمة الحقيقية. فملفات الذاكرة لم تغلق بعد، وعلى رأسها قضية الأرشيف المنهوب إبان الحقبة الاستعمارية، وملف التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية وما خلفته من كوارث بيئية وصحية لم تُعالج جذريا إلى اليوم اضافة الى عديد الملفات الحارقة الاخرى التي تريد فيها الجزائر معاملة الند للند ...كل هذه الملفات لا تزال تمثل، بالنسبة للجزائريين، خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها بالتصريحات الودية أو الزيارات البروتوكولية.
إلى جانب ذلك، تواجه مبادرات ماكرون تحديا داخليا لا يقل تعقيدا، يتمثل في تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في فرنسا، وعلى رأسه حزب "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبان، الذي يرفض أي تقارب مع الجزائر ويراهن على خطاب مشحون بالعداء والحنين إلى الماضي الاستعماري.. وهو ما يجعل هامش المناورة أمام ماكرون أضيق مما يبدو في الظاهر.
 كل هذه العوامل الداخلية والخارجية تجعل من مهمة ماكرون في إصلاح العلاقات مع الجزائر مهمة شاقة ومعقدة، حتى وإن أبدت باريس استعدادا مبدئيا للدخول في مرحلة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصارحة ، ورغم ذلك  يبقى السؤال معلقا عما إذا كان هذا التحرّك يعكس تحولا جديا في الموقف الفرنسي، أم أنه لا يعدو كونه محاولة ظرفية لامتصاص التوتر والغضب في علاقة طالما اتسمت بالمدّ والجزر وعدم الاستقرار.
ناجح بن جدو 

تعليقات الفيسبوك