مع الشروق : وضعية الصناديق الاجتماعية.. «كابوس» دائم للميزانية
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/11/28
في السنوات الأخيرة، لم تخل مناقشات قانون المالية كل عام من ذلك الكابوس الثقيل الجاثم على ميزانية الدولة وعلى المالية العمومية: إنه كابوس الصناديق الاجتماعية التي لم تنجح أي من الحكومات طيلة سنوات من وضع حد له رغم ما وقع إنفاقه عليها من المال العام، حيث تضخ الدولة في السنوات الأخيرة ما بين 500 و600 مليون دينار سنويا لدعم هذه الصناديق، ورغم مساهمات المنخرطين عبر الاقتطاعات الاستثنائية المتواصلة منذ 2018. ورغم كل ذلك بلغ عجز صندوقي الضمان الاجتماعي معا ( CNSS و CNRPS) ما لا يقل عن 3 آلاف مليون دينار وهو مبلغ ضخم لا يهدد فقط الصندوقين بل بقية المؤسسات العمومية المرتبطة بهما فضلا عن تهديد حقوق المنخرطين في الصحة والعلاج وتهديد جرايات التقاعد بعد سنوات.
إن عجز صندوقي الضمان الاجتماعي أصبح يؤدي اليوم الى «سلسلة» من الأزمات والمشاكل المالية لمؤسسات عمومية أخرى: فصندوق التأمين على المرض ( الكنام) اصبح يواجه صعوبات في الحصول على مستحقاته من الأموال التي يقتطعها الصندوقان من المنخرطين بعنوان التأمين الصحي.. والمستشفيات العمومية والمصحات وكل مسديي الخدمات الصحية اصبحوا بدورهم عاجزين عن الحصول على مستحقاتهم من صندوق «الكنام» وهو ما أصبح يهدد استمرارية وجودة الخدمات الصحية العمومية والخاصة.. وبالنتيجة، أصبحت الصيدلية المركزية تواجه صعوبات للحصول على مستحقاتها من المستشفيات العمومية وما سيترتب عن ذلك من عدم قدرتها على خلاص مزوديها بالدواء من تونس والخارج ومن تهديد استمرارية توفر الدواء في البلاد..
سلسلة مخيفة من الأزمات المتمحورة حول صندوقي الضمان الاجتماعي باتت تهدد جانبا كبيرا من الاستقرار الاجتماعي في البلاد في علاقة بالمنظومة الصحية والعلاجية، تنضاف لها ازمة أخرى منتظرة بعد سنوات في ما يتعلق بجرايات المتقاعدين إذا ما تواصل وضع الصندوقين على ما هو عليه اليوم.. وهو ما أكدته مؤخرا وزيرة المالية في البرلمان بالقول إن الصناديق الاجتماعية تعاني صعوبات هيكلية عميقة، مشيرة الى أن الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (CNRPS) يواجه تحديات جدية قد تجعل الدولة في مرحلة ما عاجزة عن توفير مبالغ الجرايات، بينما يشهد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وضعا متقلبا. وأكدت الوزيرة انه بداية من 2028 لن يكون بإمكان المالية العمومية تحمل تغطية عجز الصندوقين بالوتيرة نفسها الموجودة اليوم أي ستصبح عاجزة عن ضخ مبلغ 500 او 600 مليون دينار سنويا لهذين الصندوقين.
وتدفع هذه الوضعية الى التساؤل عن الأسباب الأصلية لهذه الوضعية. ففي حين يتردد أن من بين الأسباب هو تحميل الصندوقين في السنوات التي تلت سنة 2011 ما يفوق طاقتها من حيث تسوية آلاف الوضعيات المهنية ووضعيات التقاعد واستنزاف قدراتها المالية، يعتبرون آخرون أن سوء التصرف وسوء الحوكمة من بين أبرز أسباب ما بلغه الصندوقان من عجز مالي. ورغم ان مشاكل صناديق التقاعد ليست خاصة ببلادنا فحسب بل تعيشها اغلب دول العالم إلا أن أزمة الصناديق الاجتماعية في تونس تبدو أعمق وأخطر. فهذه الصناديق ما انفكت تستفيد سنويا مما تضخه لفائدتها ميزانية الدولة من المال العام، وأيضا من المساهمات الاستثنائية للمنخرطين فضلا عن الاقتطاعات العادية من الأجور ومن مختلف المنخرطين، وهو ما لم تستفد به مؤسسات عمومية أخرى.
أين ذهبت كل تلك الأموال على مدى السنوات الماضية؟ أين الخلل؟ هل هو سوء التصرف وغياب الحوكمة الرشيدة ام تعدد النفقات دون موجب؟ ام هي أسباب أخرى؟ ولماذا بلغ العجز مبلغا خياليا يناهز 3 آلاف مليون دينار؟.. جملة من التساؤلات لم يعد بالإمكان مزيد الانتظار لفك ألغازها، ولم يبق غير التعجيل بإيجاد خطة واضحة وشفافة ودقيقة لإنقاذ وضع الصندوقين في أسرع وقت ممكن مع ضرورة تحلي الحكومة بالجرأة والشجاعة لاتخاذ الحلول اللازمة سواء تعلق الأمر بإصلاح هيكلي او إداري او مالي يخص الجانب البشري او التقليص من النفقات وخاصة تنويع مداخيل الصندوقين وعدم الاكتفاء فقط بالاقتطاعات وبما تضخه لفائدتها ميزانية الدولة..
فاضل الطياشي
في السنوات الأخيرة، لم تخل مناقشات قانون المالية كل عام من ذلك الكابوس الثقيل الجاثم على ميزانية الدولة وعلى المالية العمومية: إنه كابوس الصناديق الاجتماعية التي لم تنجح أي من الحكومات طيلة سنوات من وضع حد له رغم ما وقع إنفاقه عليها من المال العام، حيث تضخ الدولة في السنوات الأخيرة ما بين 500 و600 مليون دينار سنويا لدعم هذه الصناديق، ورغم مساهمات المنخرطين عبر الاقتطاعات الاستثنائية المتواصلة منذ 2018. ورغم كل ذلك بلغ عجز صندوقي الضمان الاجتماعي معا ( CNSS و CNRPS) ما لا يقل عن 3 آلاف مليون دينار وهو مبلغ ضخم لا يهدد فقط الصندوقين بل بقية المؤسسات العمومية المرتبطة بهما فضلا عن تهديد حقوق المنخرطين في الصحة والعلاج وتهديد جرايات التقاعد بعد سنوات.
إن عجز صندوقي الضمان الاجتماعي أصبح يؤدي اليوم الى «سلسلة» من الأزمات والمشاكل المالية لمؤسسات عمومية أخرى: فصندوق التأمين على المرض ( الكنام) اصبح يواجه صعوبات في الحصول على مستحقاته من الأموال التي يقتطعها الصندوقان من المنخرطين بعنوان التأمين الصحي.. والمستشفيات العمومية والمصحات وكل مسديي الخدمات الصحية اصبحوا بدورهم عاجزين عن الحصول على مستحقاتهم من صندوق «الكنام» وهو ما أصبح يهدد استمرارية وجودة الخدمات الصحية العمومية والخاصة.. وبالنتيجة، أصبحت الصيدلية المركزية تواجه صعوبات للحصول على مستحقاتها من المستشفيات العمومية وما سيترتب عن ذلك من عدم قدرتها على خلاص مزوديها بالدواء من تونس والخارج ومن تهديد استمرارية توفر الدواء في البلاد..
سلسلة مخيفة من الأزمات المتمحورة حول صندوقي الضمان الاجتماعي باتت تهدد جانبا كبيرا من الاستقرار الاجتماعي في البلاد في علاقة بالمنظومة الصحية والعلاجية، تنضاف لها ازمة أخرى منتظرة بعد سنوات في ما يتعلق بجرايات المتقاعدين إذا ما تواصل وضع الصندوقين على ما هو عليه اليوم.. وهو ما أكدته مؤخرا وزيرة المالية في البرلمان بالقول إن الصناديق الاجتماعية تعاني صعوبات هيكلية عميقة، مشيرة الى أن الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (CNRPS) يواجه تحديات جدية قد تجعل الدولة في مرحلة ما عاجزة عن توفير مبالغ الجرايات، بينما يشهد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وضعا متقلبا. وأكدت الوزيرة انه بداية من 2028 لن يكون بإمكان المالية العمومية تحمل تغطية عجز الصندوقين بالوتيرة نفسها الموجودة اليوم أي ستصبح عاجزة عن ضخ مبلغ 500 او 600 مليون دينار سنويا لهذين الصندوقين.
وتدفع هذه الوضعية الى التساؤل عن الأسباب الأصلية لهذه الوضعية. ففي حين يتردد أن من بين الأسباب هو تحميل الصندوقين في السنوات التي تلت سنة 2011 ما يفوق طاقتها من حيث تسوية آلاف الوضعيات المهنية ووضعيات التقاعد واستنزاف قدراتها المالية، يعتبرون آخرون أن سوء التصرف وسوء الحوكمة من بين أبرز أسباب ما بلغه الصندوقان من عجز مالي. ورغم ان مشاكل صناديق التقاعد ليست خاصة ببلادنا فحسب بل تعيشها اغلب دول العالم إلا أن أزمة الصناديق الاجتماعية في تونس تبدو أعمق وأخطر. فهذه الصناديق ما انفكت تستفيد سنويا مما تضخه لفائدتها ميزانية الدولة من المال العام، وأيضا من المساهمات الاستثنائية للمنخرطين فضلا عن الاقتطاعات العادية من الأجور ومن مختلف المنخرطين، وهو ما لم تستفد به مؤسسات عمومية أخرى.
أين ذهبت كل تلك الأموال على مدى السنوات الماضية؟ أين الخلل؟ هل هو سوء التصرف وغياب الحوكمة الرشيدة ام تعدد النفقات دون موجب؟ ام هي أسباب أخرى؟ ولماذا بلغ العجز مبلغا خياليا يناهز 3 آلاف مليون دينار؟.. جملة من التساؤلات لم يعد بالإمكان مزيد الانتظار لفك ألغازها، ولم يبق غير التعجيل بإيجاد خطة واضحة وشفافة ودقيقة لإنقاذ وضع الصندوقين في أسرع وقت ممكن مع ضرورة تحلي الحكومة بالجرأة والشجاعة لاتخاذ الحلول اللازمة سواء تعلق الأمر بإصلاح هيكلي او إداري او مالي يخص الجانب البشري او التقليص من النفقات وخاصة تنويع مداخيل الصندوقين وعدم الاكتفاء فقط بالاقتطاعات وبما تضخه لفائدتها ميزانية الدولة..
فاضل الطياشي