مع الشروق: «كفاية» يا فرنسا...

مع الشروق: «كفاية» يا فرنسا...

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/08/13

تعلو نبرة العداء الإفريقي لفرنسا، و تعلو معها  أصوات زعماء أفارقة يطلبون من فرنسا أن تتوقف عن سياسة «الأبوية «المزيفة تجاه مستعمراتها السابقة. وهم يرفعون في وجهها صراحة شعار «كفاية «، فلقد أصبحت إفريقيا قادرة على تحديد خياراتها و بناء علاقاتها الاستراتيجية مع شركاء جدد على أساس علاقات أفقية وندية تضمن مصالح الشعوب المشتركة. 


مغامرة فرنسا الجديدة من خلال دفع حلفائها في غرب إفريقيا من مجموعة إيكواس إلى التدخل العسكري في النيجر لإعادة الشرعية الدستورية، سيكون بمثابة دقّ إسفين في نعش الوجود الفرنسي في إفريقيا، ذلك أنّ جزءا مهمّا من شعب النيجر ، يتظاهر ساخطا على فرنسا و على من يعتبرونهم عملاءها في النيجر و في غرب إفريقيا. وهذا المزاج النيجري يمكن سحبه على مشاعر معادية تأخذ في الانتشار أو هي بصدد التحول إلى موجة عارمة ضد الاستغلال الفرنسي لخيرات إفريقيا، بل ضد سياسات فرنسا لتفقير القارة الغنية. 


موضوعيا لا تتحمل فرنسا وحدها مآسي القارة الإفريقية، بل إنها عنصر ساهم إلى جانب قوى أخرى في تهميش القارة و نهب مواردها و قيادة حروب أهلية و رعاية انقلابات عسكرية ضد أنظمة وطنية فيها. و آخرها الدور الفرنسي في تدمير الدولة الليبية و تحويلها إلى بؤرة للإرهاب و الاتجار بالبشر. لو نجحت فرنسا من خلال حلفائها في خلق بؤرة صراع جديدة في إفريقيا، فهذا سيعني توتر العلاقات من جديد مع الجزائر، الدول القوية في إفريقيا، وسيعني توسع حالة الكراهية و العداء للمستعمر القديم الذي يريد استمرار فرض وصايته على الجميع و لمدى زمني غير محدد. اليوم في إفريقيا نخبة مثقفة ومتعلمة، باتت تدرك قيم الإنسانية و حقوق  الإنسان وهي الشعارات التي تأسست عليها الحداثة الغربية، و لا يمكن للأوروبيين و الفرنسيين على وجه الخصوص  أن يقفزوا ضد هذه المطالب الإفريقية في القرن الحادي و العشرين و إن تنكّروا لها فعليا إبان الحقبة الاستعمارية التي يرفضون إلى الآن الاعتذار عن جرائمها الفظيعة. 


التحولات التي يشهدها عالمنا منذ اندلاع حرب أوكرانيا تفرض على الفرنسيين أن يستوعبوا الدرس و أن ينظروا إلى القارة السمراء نظرة مخالفة تحترم الإنسان الإفريقي باعتباره لا يقلّ شأنا عن الإنسان في أي مكان من العالم. و إذا رغبت فرنسا في استمرار رعاية مصالح مشتركة مع الأفارقة فعليها أن تعي جيدا أن اللاعبين الجدد الذين سيعلنون عن ميلاد قوّتهم الجديدة في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري كما أشار إلى ذلك جون لوك ميلنشون زعيم المعارضة الفرنسية، غير مستعدين لترك إفريقيا، ساحة هيمنة غربية، ولو بلغ الأمر مرحلة التصادم المباشر معهم. صورة إفريقيا بوصفها «مغارة علي بابا» المليئة بالكنوز والذهب التي يقع ترحيلها نحو خزائن الغرب، يجب أن تنتهي لأنّ المغارة ستعود عاجلا أم آجلا إلى أهلها الناهضين من تحت غبار الصحراء الكبرى.


كمال بالهادي 

تعليقات الفيسبوك