مع الشروق: غرب أفريقيا على فوهة بركان

مع الشروق: غرب أفريقيا على فوهة بركان

تاريخ النشر : 07:30 - 2023/08/08

بانقلاب النيجر، باتت غرب أفريقيا منطقة رمال متحرّكة وميدان صراع ، بين القوى الغربية التي تخسر نفوذها تدريجيا والقوى الأخرى التي تثبّت أقدامها تدريجيا هناك ونقصد أساسا روسيا والصين.
بعد بوركينا فاسو، غينيا، مالي  ،أصبحت النيجر آخر دولة في غرب أفريقيا، يستولي فيها الجيش على السلطة، وهي كلها مستعمرات فرنسية سابقة ، حيث تشير الإحصائيات إلى أن جلّ الانقلابات، التي حصلت في أفريقيا جنوب الصحراء، منذ التسعينات وعددها 27 انقلابا، حصلت في دول فرنكوفونية.


هذا التمرّد الأفريقي غير المسبوق الذي أصبح حمّى تنتشر بسرعة كبيرة، وتلقى رواجا كبيرا لدى الشعوب الافريقية ولدى الطامحين للسلطة في بلدان هشة اقتصاديا وأمنيا، لسببين رئيسيين على الأقل.


السبب الأوّل هو أن الشعوب والحكّام الأفارقة سواء كانوا ديمقراطيين او ديكتاتوريين والأغلب هم كذلك، ضاقوا ذرعا من الاستعمار الاقتصادي والسياسي لبلدانهم ونهبهم لثرواتها على مدى عقود دون أي تغيير للأفضل في أي دولة.


بل على العكس تماما، ازداد الارهاب الذي تتذرّع به القوى الغربية للتدخّل في هذه الدول ونمى أكثر في وجودها مع ازدياد الاضطرابات والهجرة غير الشرعية التي أصبحت هاجس العالم أجمع.


بالإضافة الى ذلك اعتمد الغرب سياسة الفتات تجاه الدول التي تنهب ثرواتها وتمنحها في المقابل دعما ضعيفا في شكل إعانات، عوض تنمية هذه البلدان والنهوض بها اقتصاديا كشريك وليس كتابع.


حالة الاستغلال الفاحش هذه، خلقت غضبا عارما ظلّ مكبوتا حتى توفّرت ظروف انفجاره والتي كانت في الأغلب بروز قوى أخرى قدّمت بديلا اقتصاديا وأمنيا أفضل وشجّعتها أيضا على التمرّد.


أما السبب الثاني فهو الاختراق الاقتصادي الصيني الناعم  للقارة الافريقية، بالتوازي مع  الحماية الأمنية الموثوقة التي تقدّمها روسيا لدول عديدة، دون التدخّل في الشؤون الداخلية لها عكس القوى الغربية التي تملي  وتتدخّل  في كل شيء.


وفي جل الانقلابات التي وقعت مؤخرا، كانت الشعارات واضحة «تسقط فرنسا تحيا روسيا»، وأينما تمّ اسقاط العلم الفرنسي رفع مكانه العلم الروسي وهي أمور تفسّر مدى الاختراق الحاصل.


الصراع بات شرسا، ففرنسا مثلا لا يبدو أنها ستتخلى عن نفوذها ومصالحها الاقتصادية بسهولة، وتدفع بمنظمة «ايكواس» كوكيل لها في المنطقة حيث تستعدّ الاخيرة لتنفيذ تدخّل عسكري يعيد الرئيس المعزول الى السلطة، وربما تتدخّل فرنسا نفسها عسكريا.


في المقابل بدا أن الدول التي خرجت من المدار الفرنسي أشدّ لحمة، حيث اعتبرت مالي وبوركينا فاسو أن الاعتداء على النيجر يعتبر بمثابة الاعتداء عليهما، وهذا الأمر خلق تصدّعا داخل منظمة «ايكواس» التي يبدو أنها عدلت عن التدخّل العسكري لحد الآن.


التدخّل العسكري في النيجر سواء من طرف «ايكواس» أو فرنسا ، سيفجّر المنطقة وقد يأتي بنتائج عكسية لا يريدها الغرب المنهك أصلا، ويزيد الطين بلّة ممّا سيوفّر لدول أخرى لاتزال في المدار الغربي ذريعة للتمرّد.


وهذا الأمر عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني،عندما قال بصراحة  إن «أوروبا منخرطة في العديد من الجبهات العسكرية وأولها أوكرانيا، ولا يمكنها فتح مواجهة أخرى في إفريقيا».

 


 بدرالدّين السّيّاري

تعليقات الفيسبوك