مع الشروق..كسب رهان التصدير.. وترشيد التوريد

مع الشروق..كسب رهان التصدير.. وترشيد التوريد

تاريخ النشر : 07:00 - 2023/03/17

كشفت الأرقام والمؤشرات الأخيرة عن تراجع في نسبة العجز التجاري للمبادلات التجارية مع الخارج وخاصة مبادلات السلع الغذائية، حيث حققت تونس خلال شهر فيفري فائضا في الميزان التجاري الغذائي بحوالي 1.1 مليون دينار، إلى جانب تراجع العجز التجاري العام خلال جانفي وفيفري الماضيين مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2022 وذلك نتيجة تحسن الصادرات في عديد المجالات.
أرقام تؤكد أن تونس بإمكانها التحكم في عجزها التجاري شريطة توفر إرادة حقيقية لمزيد تطوير الصادرات مع ضرورة ترشيد حقيقي للواردات التي مازالت تكلفتها باهظة خاصة في مجال الغذاء والطاقة. فالرهان الاقتصادي الأول في كل دول العالم أصبح رهان التعويل على الذات وتحقيق الاكتفاء الذاتي من مختلف السلع والمنتجات وعدم اللجوء للتوريد إلا للضرورة القصوى مع الرفع من التصدير.
وفي الفترة الأخيرة تطورت قيمة صادرات زيت الزيتون التونسي والتمور والقوارص ومنتجات الصيد البحري والنسيج والملابس والجلد والصناعات الميكانيكية والكهربائية وغيرها. ورغم الجهود المبذولة في هذا المجال إلا أن هذا التطور ما كان له ان يتحقق لولا ارتفاع أسعار البيع في الأسواق العالمية، وهو ما يؤكد ضرورة بذل مزيد من الجهود من اجل استغلال أفضل لفرصة ارتفاع الأسعار في العالم.
ولا يمكن للصادرات التونسية ان تتطور دون تدخل قوي من سلطة الاشراف في مختلف القطاعات للتشجيع أكثر على التصدير ولتقديم الحوافز والتسهيلات ولكن أيضا لفرضه كخيار استراتيجي وطني يلتزم به كل المتدخلين من القطاعين العام والخاص وتشارك فيه الهياكل العمومية في تونس عبر مختلف الآليات الترويجية وفي الخارج عبر جهود الديبلوماسية الاقتصادية لاقتحام الأسواق العالمية.
ويظل السبيل الوحيد لاقتحام الأسواق الخارجية هو المراهنة على جودة المنتجات التونسية وعلى سلامتها الصحية وعلى احترام المعايير الدولية في المجال البيئي والطاقي. وهو ما على المؤسسات التونسية أن تعمل على تحقيقه، خاصة في ظل المنافسة الشرسة من بقية الدول المنتجة. فالمنتوج التونسي في حاجة اليوم إلى «ثورة» كبرى على مستوى التعبئة والتغليف وجمالية المظهر الخارجي وإلى تنافسية كبرى على مستوى الجودة والمذاق والأسعار.
وإلى جانب صادرات المنتجات المختلفة، يبقى الفسفاط من اهم المنتجات المعنية أكثر من غيرها اليوم برهان التصدير بالنظر إلى قيمته المضافة العالية على مستوى عائدات التصدير، خاصة بعد ارتفاع أسعاره في السوق العالمية، وفي ظل توفرهذه الثروة بكميات كبرى في البلاد. وهو ما يتطلب إرادة سياسية شجاعة وقوية للقطع مع كل مظاهر تعطيل الإنتاج والفساد التي نخرته طوال العشرية الماضية ولإعادة رفع الإنتاج إلى ما كان عليه قبل 2011 ( 8 مليون طن سنويا) ولم لا أكثر.
وفي المقابل، يظل ترشيد الواردات رهانا كبيرا هو الآخر خصوصا في المجالات التي أصبحت تستنزف المالية العمومية. فتونس في حاجة اليوم إلى استراتيجية وطنية صارمة وقوية لتحقيق اقصى ما يمكن من اكتفاء ذاتي طاقي وذلك عبر التسريع في الانتقال نحو الطاقات البديلة للتقليص من الفاتورة الباهظة لاستيراد الطاقة وفي حاجة أيضا إلى مزيد تثمين انتاجها الوطني من المحروقات، وفي حاجة كذلك الى مزيد تطوير قطاع الزراعات الكبرى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والتقليص من الواردات.
لا توجد امام تونس اليوم خيارات عديدة لوقف نزيف المالية العمومية ولتأمين احتياطي مطمئن من العملة الصعبة ولتحسين سعر صرف الدينار والقدرة على خلاص الديون الخارجية وتلبية مختلف حاجيات المواطنين من سلع وخدمات غير العمل من هنا فصاعدا على الرفع من القدرات التصديرية للبلاد مع ترشيد صارم للواردات. فدون ذلك سيصعب التحكم في مختلف التوازنات المالية والاقتصادية والتنموية.
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك