مع الشروق.. اغتيــال ذاكــرة وطـــن

مع الشروق.. اغتيــال ذاكــرة وطـــن

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/09/20

احتجاب صحيفة الأنوار عن الصدور وذلك للمرة الأولى منذ 16 أوت 1981، لا يعني شيئا سوى أنّه عملية "اغتيال ذاكرة وطن". فالأنوار التي تحتجب عن الصدور مؤقّتا، بلغ عدد أعدادها 2118عددا ،وقد عاصرت ما يناهز نصف عمر الدولة الوطنية المستقلة،و أرّخت لأحداثها السياسية والاجتماعيّة الكبرى، وكانت العنوان الأبرز ضمن الصحافة الورقية التونسية طيلة أربعة عقود من الزّمن، غير أنّ الظروف القاهرة وغياب الدعم عن عموم الصحافة الورقية كان وراء القرار الأشدّ قسوة على محبّي الصحافة الورقية الجادّة. 
وعندما نقول إن هذه النهاية هي "عملية اغتيال لذاكرة وطن"، فلأنّ الأنوار هي التي فتحت الباب أمام صحف " tabloid" وهي النوعية التي ظلت مفضّلة عند القراء لتنوعها وغزارة محتواها ولشكلها الذي يجعل قراءتها أمرا يسيرا. وللذكرى فهي الأولى التي أدخلت الألوان في الصحف التونسية. وكانت صفحاتها منذ ظهورها ندوة قرّاء مفتوحة لكل التيارات السياسية ولكل المشارب الثقافيّة والرياضية. فكيف تقبل دولة تحترم تاريخها أن تظل صامتة ولا تتحرّك لمساندة مؤسسة ثقافية وإعلامية في حجم دار الأنوار. 
وعندما نعود إلى تاريخها العريق ونتصفح المجلّدات الضخمة، سنجد تاريخ تونس والعالم العربي والعالم عموما المكتوب على صفحاتها ، بكلّ أحداثه الكبرى والتي غيرت مجرى التاريخ. فقد سجلت الصحيفة ثورة أحداث الخبز في سنة 1984، ونقلت لقرائها المعارك السياسية الكبرى بين الإسلاميين والدولة التونسية من الثمانينات حتى آخر عدد لها. وتصدّرت الأنوار في السنوات الأخيرة معركة كسر حاجز الخوف من الإسلاميين، وخاضت صراعا مريرا ضدهم قبل أن تأتي حركة 25 جويلية، في حين كانت وسائل إعلام أخرى تبحث عن الغطاء من التيارات التي حكمت تونس في العشرية الأخيرة. 
و طوال تاريخها الحافل لم تتلق الأنوار اي دعم من أي جهة، وحتى الإشهار العمومي لم تكن تتمتع به مثلما تتمتع به صحف أسبوعية أخرى، بل إنّ مطبعة دار الأنوار تم حرقها خلال أحداث حرب الخليج الأولى عندما حرّكت الشروق والأنوار الشارع التونسي نصرة للشعب العراقي ضد الغزوة الهمجية الأمريكية. وعندما عجزوا عن إسكات صوتها قاموا بحرق مطبعتها ووضعوا قانونا خاصّا حددوا فيه سقف العدد المسموح طبعها، عندما بلغ حجم الطبع ما يزيد على 150 ألف نسخة يوميا. 
إنه تاريخ لا ينكره إلاّ جاحد، وهذا "الاغتيال للذاكرة" فرح له أعداء الأنوار، لأنها كانت تفضح كلّ ألاعيبهم، ولأنها حافظت على خطها الوطني والعروبي المدافع عن قضايا الوطن العربي لإيمان عميق لدى إدارته أن تونس جزء لا يتجزّأ من هذا الوطن الكبير الممتد من موريتانيا حتى بغداد، ولا أدل على ذلك ان  الأنوار هي الصحيفة الوحيدة التي تخصص أسبوعيا صفحة كاملة لتغطية العدوان المستمر على مدينة القدس. 
حملات التعاطف الكبيرة جدا من القراء تكشف حجم شعبيتها، وأثرها في التونسيين. ولكن من المؤسف أن يأتي قرار الحجب في يوم 16 سبتمبر ، ذكرى اندلاع مذابح صبرا وشاتيلا. إنها عملية اغتيال لذاكرة وطن، ما لم تتحرّك السلطة لدعم الصحافة الورقية.
كمال بالهادي

تعليقات الفيسبوك