مع الشروق.. «مافيا» السوق.. أقوى من الدولة !

مع الشروق.. «مافيا» السوق.. أقوى من الدولة !

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/08/20

عكس ما كان متوقعا، لم يحصل أي تحسن في منظومة السّوق رغم الدعوات الأخيرة التي أطلقها رئيس الجمهورية قيس سعيد للتخفيض في أسعار السلع والأدوية والخدمات ولوضع حدّ لظاهرة الاحتكار والمضاربة. فأسعار بعض المواد الاستهلاكية والأدوية تشهد من يوم لآخر ارتفاعا ملحوظا وبعض السلع مازالت رهينة الممارسات الاحتكارية المختلفة فيما يتواصل غياب وندرة بعض المواد الأخرى من الأسواق.
ورغم الوعود التي قدمها المهنيون خلال لقاءاتهم برئيس الدولة أو عبر التصريحات الإعلامية إلا أن الواقع كشف عكس ذلك وأكثر. فقد كان المواطن ينتظر على الأقل تجميد الأسعار وبقاءها في مستواها لكن حصل العكس، وكان ينتظر أن تتراجع الممارسات الاحتكارية وان تتوفر كل المواد في السوق بلا استثناء فحصل العكس أيضا وواصلت "مافيا" التخزين والسمسرة عربدتها في السوق بلا حسيب أو رقيب ولم تترك قطاعا أو منتوجا واحدا إلا واستهدفته.
وبالإضافة إلى الأضرار التي تُلحقها هذه المافيات بقوت المواطن وبمقدرته الشرائية فإنها أصبحت تلحق أضرارا بالمنتجين خاصة في القطاع الفلاحي الذي أصبحت أغلب منتوجاته تُشترى بثمن بخس ثم يقع توجيهها للتخزين والاحتكار في بيوت التبريد من خلال شبكات تنشط في كامل الجمهورية على مستوى أسواق الجملة. ولم يسلم من هذه الظاهرة قطاع السجائر رغم احتكاره من الدولة وكذلك قطاع الأدوية والمبيدات الفلاحية والاعلاف والبذور ومواد البناء والمواد المدعمة..
وما يثير حيرة التونسيين هو ان مواطن الخلل في منظومة السوق معلومة لدى الجميع وتعرف مختلف أجهزة وهياكل الدولة كل كبيرة وصغيرة عن ممارسات "مافيات" السوق وتعلم جيدا أماكن تواجدها وتواجد مخابئ السلع المخزنة وعلى اطلاع يومي بمسار تنقلاتها على الطرقات. لكن مع تقدم الوقت اتضح أن هذه المافيات أقوى بكثير من الدولة ومازالت تتوفر لها الحماية التي تساعدها على الإفلات من المراقبة ومن العقاب.
اليوم وبالإضافة الى دعوات رئيس الدولة للمهنيين للتخفيض الطوعي والتلقائي في بعض الاسعار او على الاقل تجميدها وللابتعاد عن الممارسات الاحتكارية، اصبح من الضروري المرور الى مرحلة أخرى أكثر تشددا تجاه هذه الممارسات وذلك عبر تكثيف الرقابة وتحمل اجهزة الرقابة مسؤوليتها كاملة وتطبيق القوانين بصرامة وتنقيح بعض النصوص في اتجاه تشديد العقوبات ومراجعة هوامش الربح وفرض الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة على كل مسالك التوزيع والمراقبة عن بعد ودعم امكانيات اجهزة الرقابة بشريا ولوجيستيا..
ومن جهة اخرى فان الدولة اصبحت مطالبة باسترجاع دورها التعديلي في منظومة السوق وذلك عبر التشجيع على تكثيف انتاج المواد الاستهلاكية الحساسة خاصة في القطاع الفلاحي ليكون العرض اكثر من الطلب والتوريد ان لزم الامر لتعديل العرض والاسعار والتدخل في منظومة التخزين لتكوين مخزونات احتياطية على مدار العام ومنع كل اشكال "التوافق" بين المنتجين والمصنعين للبيع باسعار موحدة الى جانب مراقبة التصدير الذي يتخذ في بعض الاحيان شكل التهريب ويتسبب في فقدان بعض المواد من السوق او في غلاء اسعارها..
اليوم وبعد ان عبر اعلى هرم السلطة عن إرادة سياسية واضحة وصريحة للتدخل في منظومة السوق - عكس ما كان يحصل سابقا من غياب تام للدولة عن هذا الملف- لم يبق إلا ان تتحمل مختلف أجهزة وهياكل الدولة المعنية مسؤوليتها كاملة للتعاطي مع الوضع بكل الطرق والوسائل المتاحة حتى يقع وضع حد لتغول "مافيا السوق" على الدولة وعلى المواطن.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك