مع الشروق.. الدّولة تغرق في «دوّامة» القُروض..

مع الشروق.. الدّولة تغرق في «دوّامة» القُروض..

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/04/23

تواصل حكومة هشام المشيشي التوجّه بقوّة نحو الاقتراض لتغطية عجز ميزانية الدولة بعد أن أصبحت غير قادرة على توفير الأموال من مصادرها الذاتية للتكفل بنفقات الدولة والشعب.. أكثر من 18 مليار دينار تحتاجها ميزانية العام الجاري عبر الاقتراض لتحقيق توازناتها لكن يبدو أن الحاجة ستكون أرفع من ذلك في ظل تواصل جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية وكذلك في ظل تواصل ارتفاع أسعار النفط وأسعار مختلف السلع في السوق العالمية..
ستكون الحكومة مُضطرة لمواصلة التداين من أجل خلاص الأجور وتوفير نفقات التسيير العادي للدولة وتوريد حاجيات الشعب من غذاء ودواء ومحروقات وسلع مختلفة، ومن أجل مجابهة وباء كورونا.. لكن ما يثير الاستغراب هو أن المبلغ الأهم من القروض التي ستحصل عليها سيكون موجها لخلاص قروض سابقة وذلك حتى تقدر على الحصول على قروض أخرى! وهو أمر خطير يؤكد دخول الدولة في "دوّامة" الاقتراض الذي لا ينتهي والذي قد يقودها إلى الإفلاس..
والأخطر من كل ذلك أن الحكومة ستكون مضطرة للتداين بنسب فائدة مرتفعة أصبحت تفرضها السوق المالية الدولية بعد أن تراجع الترقيم السيادي لتونس. لكن الأشد خطورة هو تعمّد البنوك المحلية هي الأخرى توظيف نسب فائدة مُشطّة على القروض الممنوحة للدولة بدل أن تقف إلى جانبها في هذه الأزمة خصوصا أن الدولة مكنتها طيلة الأعوام الماضية من كل الوسائل والآليات لتحقيق أرباح خيالية على حساب حرفائها وغضت النظر عن تجاوزاتها..
منذ سنوات والجميع يطالب  الحكومات المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية، بإيقاف نزيف المديونية والتعويل على الذات وذلك خاصة عبر منع تعطيل انتاج الفسفاط الذي كان بالإمكان أن يوفر في السنوات الماضية تمويلات كبرى لميزانية الدولة. غير أنها تعاملت مع هذا الملف بأيد مرتعشة وخضعت للابتزاز والضغوطات وعجزت عن معالجته بكل جرأة وشجاعة، شأنه شأن ملف المؤسسات العمومية المفلسة والصناديق الاجتماعية التي تستنزف يوميا الميزانية..
ومنذ سنوات والجميع يطالب الحكومات باتباع سياسة تقشف داخل أجهزة الدولة وإيقاف نزيف الامتيازات المبالغ فيها لكبار المسؤولين ونزيف الأجور الوهمية وردع كل اشكال الفساد الذي يؤدي الى الاستيلاء على المال العام ومكافحة تهرب أصحاب الأرباح الطائلة والثروات الكبرى من أداء الضريبة، ومحاربة أباطرة التهريب الذين دمّروا الاقتصاد.. لكن كل الحكومات بلا استثناء، بما فيها الحكومة الحالية، أثبتت فشلا ذريعا في التعاطي مع هذه الملفات..
لا مخرج لتونس اليوم من "دوامة" التداين المُفرط والمُكلف إلا بتعجيل الحكومة الدخول في مرحلة إصلاحات جدية وحقيقية تعالج من خلالها كل أسباب الدمار المالي الذي لحق البلاد وتتحلى بالجرأة والشجاعة لمعالجة كل الملفات وذلك استنادا إلى قوة القانون.. أما مواصلة التعويل على القروض من الخارج أو من البنوك المحلية ومواصلة التعويل على المواطن عبر الزيادات في الأسعار والاقتطاعات من الأجور، فإنه سيُعمّق الأزمة ويجعلها شاملة لجوانب اقتصادية ومالية واجتماعية.. وعندئذ سيكون الانهيار الشامل للدولة..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك