مع الشروق .. «غزوة» المطار أو «نعي» الدولة

مع الشروق .. «غزوة» المطار أو «نعي» الدولة

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/03/17

بكل تأكيد، فإن ما يمكن تسميته «غزوة» المطار التي جدّت الليلة قبل الماضية بمطار تونس قرطاج هو بمثابة واحد من آخر المسامير في نعش هيبة الدولة... لتكون تلك المشاهد المزرية والسخيفة التي كتب نصّها وأخرجها نواب في كتلة ما يسمى «ائتلاف الكرامة» بمثابة نعي للدولة برمتها.
لقد تفنّن النواب المذكورون وهم في الأصل ممن يفترض أن يكونوا من حماة النظام والقانون ومن الحريصين على اعلاء راية الدولة والانتصار للقانون والمؤسسات في العربدة وفي تمريغ ما بقي من هيبة الدولة ومن علوية القانون في أوحال حقد دفين على الدولة الوطنية التي لم تعد تعني شيئا لشق من التونسيين.. هذا الشق الذي يهلّل لقتل جنودنا وأمنيينا البواسل... والذي ينتشي طربا إثر كل عملية إرهابية غادرة.. والذي يسارع إلى ابتداع الحيل والأراجيف لتعويم الأفعال الشنيعة والدنيئة التي ينفذها من يفترض أنهم تونسيون ضد أشقاء لهم في الوطن والهوية والدين والانتماء.
ولقد بدا سيناريو المسرحية التي أعدت وأخرجت على المقاس وكأنه وضع سلفا لانتهاك قدسية القانون وعلويته ولاغتصاب هيبة الدولة. إذ ركب الجماعة حادثة عادية جرت وتجري منذ سنوات لاشعال نار فتنة حوّلت البلاد لساعات طويلة إلى مهزلة تلوكها ألسن كل العالم. قد يكون الاعتراض على الاجراء الحدودي المسمى (S17) وجيها أو يستقيم في بعض الحالات. لكن مجالات رفضه والاعتراض عليه لا تكون بهذه الشاكلة. ولا تكون بتلك الأساليب والوسائل.. ولا تكون بالتمرد على منطق الدولة ومحاولة تعويضه بمنطق الغوغاء وبمنطق الصراخ والهيجان والتعرض لهياكل الدولة ومؤسساتها. لقد كان أجدر بالجماعة وهم «نواب شعب» كما يدعون ومنهم المحامون ورجال القانون أن يتقيدوا بالقانون ويحرصوا على احترام النظام العام.. ولقد كان أمامهم وهم يعرفون حق المعرفة أن يعترضوا على الاجراء الحدودي المعني أمام القضاء الاداري أو العدلي. ولقد كان أمامهم أن يعدوا المبادرات التشريعية ويقدموا النصوص الملائمة لإنهاء العمل بهذه الصيغة ان اقتنعت أغلبية النواب بأن الزمن قد تجاوزها وأن هؤلاء لم يعودوا يشكلون خطرا على أمن البلاد والعباد...
أما أن يتركوا هذه الخطوات جانبا وينفذوا ذلك السيناريو الهابط ضد رجال أمن المطار وهم المؤتمنون على تطبيق القوانين واللوائح بما تفرضه من طرق للتعاطي مع المشمولين بذلك الاجراء الحدودي فإن الأمر يتعدى مجرد الاعتراض والاحتجاج لتنفيذ أجندا خفية تهدف إلى ركوب «الشو السياسي» (الفرجة السياسية) للفت الأنظار ولاستقطاب المريدين وتسجيل نقاط سياسية كان يفترض أن تكون مجالات وأدوات تنفيذها سياسية بحتة وبعيدة كل البعد عن مظاهر الغوغاء والشعبوية الغريبة عن دولة القانون والمؤسسات.
ان «غزوة» المطار ستبقى علامة فارقة في تاريخ الدولة الوطنية.. والوضع بعدها لا يجب أن يبقى كما كان قبلها.. لأن الجرم الفظيع الذي ارتكب والتجاوز الفاضح في حق هيبة الدولة وفي حق كل التونسيين والتونسيات لا يجب أن يمر مرور الكرام. ورئيسا الدولة والحكومة بالخصوص مطالبان بالتحرك الناجز والسريع لوضع حد لهذا النزيف الذي يطال الدولة وهيبتها وهيبة مؤسساتها وأعوانها.. وإما أن يعيدا للدولة هيبتها وللقانون علويته وإما أن يعلنا عجزهما وعدم جدارتهما بمواقعهما على رأس الدولة ويدعوا الشعب إلى موكب نعي دولة كانت صرحا... فهوى...
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك