مجموعة "حالة وعي " لسميّة بالرّجب (2\3) الكتابة الشعرية وبحر من التأويلات!

مجموعة "حالة وعي " لسميّة بالرّجب (2\3) الكتابة الشعرية وبحر من التأويلات!

تاريخ النشر : 20:53 - 2021/03/06

نشرنا امس الجمعة الجزء الاول من هذه الدراسة وقد قدّم فيه الكاتب يوسف عبد العاطي الشاعرة سميّة بالرجب ملاحظا ان نصها متقن في بنائه اللغوي وأنها مبدعة لا تتعجل النشر بل تسعى إلى تجميع ما يتناسق من كتاباتها مع بعضه البعض في كتاب واحد... وننشر اليوم الجزء الثاني من هذه الدراسة :      و لأنّ علاقتنا جميعًا بالكتاب تنطلق مع الغلاف، أرى أنه من المفيد التّوقّف عنده. و سأبدأ حديثي في هذا الموضوع من الانطباع الذيأصابني بعد أوّل نظرة له. فقد كان أنيقًا و مغريًا و موحيًا. حيث غطّته النّصف الأيمن من وجه الشّاعرة مع  إعلاء العين فوق اسمها الذي كتب بالأسود، بينما اختارت اللّون الأحمر لكتابة عنوان المجموعة « حالة وعي » و وضعت تحته عبارة « شعر » بالأبيض.
   و أرى أن هذا التّصميم و الإخراج الذي نسبته إلى الشّاعرة بسبب عدم  التّنصيص على من قام به، قد ساهم بقسط وافر في جلب انتباه القارىء، فهل ستصيبنا قصائد المجموعة ب « حالة وعي» مرتقبة نكون  أثناءها تحت رعاية العين اليمنى للشّاعرة؟ أم إنّ هذه المراقبة المسلّطة من نظرتها ستمنعنا من التّوهان في بحر التّأويلات و تدفعنا إلى إنارة  الكثير من الاستنتاجات. هذا على الأقل ما سأحاول البحث عنه من خلال الأشعار مع التّركيز على بعض المقاطع المختارة.       و على غير المتوقع لم تشتمل مجموعة «  حالة وعيٍ » على إهداء، أو نصّ تصديري، و هو اختيار لا يمكننا أبدًا مناقشة الشّاعرة فيه. لكنني كقارىء أرى أنّه يحقّ لي تأويل ذلك إلى عزوف سميّة بالرّجب على تقديم أشعارها بالتّمهيد لها بنصوص غيرها، و لذلك اختارت وضعالنّصف الأيمن من وجهها في الغلاف مع عدم الاتّكاء على أيّ نصّ لغيرها، و هذا يدلّ على قوة شخصية تستدعي الاحترام.
   افتتحت سميّة بالرّجب مجموعتها بقصيدة « أهزوجة الشّفق » لتنهيها بقصيدة  « خذني إليك » و نلاحظ من خلال ما تقدّم الرّوح التّفاؤلية التي تسكن الشّاعرة، رغم وجود قصائد داخل المجموعة كانت موغلة في القتامة، و محبطة للعزائم أحيانًا. و الأكيد أن هذا الأمرسيتوضّح أكثر بعد الاطّلاع على المقاطع التي اخترت التوقّف عندها.
       تنطلق سميّة بالرّجب بإنشادها لهذا المقطع الأوّل في قصيدة « أُهزُوجة الشفق » فتقول: 
    ( و تَنسابُ فيكَ أيَا وطنًا 
      من هَجير البُكاءِ الشُّجُونُ 
     و مُهجةُ جدَّي 
     على بُعْدِ ناصيَةٍ من مَدَانَا 
     تُلوِّحُ للأفْقِ كلَّ مساءٍ 
     عَلى غُربةِ الوَجد فِيهَا 
      إلى أَنْ يُعَانقها السُّبَاتُ) ( ص: 7) 
   و رغم حالة الإحباط التي ترافق المنشد نجده يتطلّع إلى الأفق كلّ مساء، لتعلن  عن تمسّكها و تشبّثها بالأمل، حتّى و إن استسلمت للنّوم. تقول في مقطع لاحق: 
    ( هُنا 
      يَا غريبًا يَلُوك أساطيرَ أرضي 
      جمعتُ فُتاتَ العبارة حتّى تعبت 
      و نمتُ)  ( ص : 8)
      ليتواصل الشّجن و البكاء بعد ذلك طيلة مقاطع القصيدة لتنهيها بقولها: 
    ( فتاهت بشدوِهِ كلُّ الموانىء 
      تُردّد أهزُوجَةً للشَّفَقْ 
      تَخِيطُ على ظُلمَةِ الرُّوحِ دَرْبًا 
       أوانَ المُرُور بشطرِ النَّفَق 
      و ذَاكَ الغريبُ يتُوه كئيبًا 
      كطيفِ المَوَاجعِ كَيْمَا اتَّفق 
      فَغَابَ لخَطوِه ذاك الدَّليلُ 
      و ضَاعت عَنَاوينُهُ الثابتاتُ…
                    و تَاهَت عناوينُهُ الثابتاتُ…
                                و غابت عناوينهُ الثابتاتُ.)  ( ص : 19)
     و يلاحظ معي القارىء أن حالة الإحباط و الانكسار كانت طاغية في كامل  مقاطع هذه القصيدة، رغم أنّ الشّاعرة حاولت إذكاء روح الحماسة في النّفوس، حيث نجدها تقول: 
     ( تمرَّد حِبري على اليأسِ صَاتَ 
       و أَطلق للبوْح منهُ العِنَان 
       و أَلجَم ذُلَّه كان وحيدًا 
       يُحاربُ 
       فوقَ القراطِيسِ 
       جُندًا … وَرقْ 
       يُكابدُ من تعبِ العِبارةِ…
                جورَ القوافي 
                       و ظُلمَ المنافي 
                                  و داءَ الأرقْ.)  ( ص : 17/18) 
    الأكيد و أنّ كلّ المقاطع المختارة لا يمكنها أبدًا التّدليل بمفردها عن مقاصد  توظيفها الحقيقية، لكن  حسبي في هذا المجال محاولة تقريب مناخات الكتابة الشعرية لدى سميّة بالرّجب لإيماني بأنّ الشّعر تحديدًا يرفض  الانصياع إلى طاعة التّفسير بما أنّه يخضع أساسًا إلى الذّائقة و التّأويل.  
     و قبل التوقّف عند المقطع الأوّل و الأخير في القصيدة الأخيرة من المجموعة  و التي حملت عنوان « خُذْنِي إليك » أشير إلى انني شعرت أن الحبيب المتحدّث  عنه ما هو في النّهاية إلّا هذا الوطن الذي يسكننا و يدفعنا إلى تغيير واقعنا، وأجده متلبّسًا بها  و محتميًا بشدوها الذي ينضح أملًا و رجاءً. 
     تقول الشّاعرة في قصيدتها الأخيرة : 
    ( خُذْنِي إليكْ…
      خذني إليك فَبِي 
     من وحشةِ الماضين للأمسِ الغريب مساربُ 
     و امدد شراعا للرّياح تَهزُّنِي 
     كالطّفل في مهد السّذاجة و الوجلْ 
     خذني إلى قلب كقلبِكَ لم يزلْ 
     يجْتاحُني 
     رغم المساوىء و العناءْ 
     قلبٌ كقلبك لا يكلْ )  ( ص : 103)
     فالشّاعرة تنشد الخلاص و تحلم بتحقيق الآمال، لكنني أرى أن مناخات الكتابة  لدى سميّة بالرّجب تجعلنا لا نستسلم أبدًا إلى القراءةالسّطحية لنصوصها، حيث  نشعر دومًا أنّ ما تخطّه حمّال لمعاني متعددة و مختلفة، فما بالنا بكتاباتها الشّعرية و التي شعرت أنها عادةً ماتختفي وراء الغزل للتّعبير عن هموم الإنسان في هذا  الوطن، إضافةً إلى اعتمادها على الصّورة دون التّدقيق في سرد التّفاصيل.


 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

يعيش فضاء المركز الثقافي والرياضي بالمنزه السادس انطلاقا من يوم 27 مارس2024 إلى غاية 03 أفريل من
19:34 - 2024/03/28
كشف محمد فضل شاكر نجل الفنان فضل شاكر أنّ قضية والده ''المشارك في أحداث عبرا في صيدا عام 2013 ''
09:26 - 2024/03/28
رفعت أسرة الفنان المصري الراحل عبد الحليم حافظ دعوى قضائية لوقف إعلان تجاري يعرض في الموسم الرمضا
08:17 - 2024/03/28
لم يحصل إجماع على رداءة الومضات الإشهارية، كالذي حصل على الومضات التي تبث خلال رمضان الحالي على ا
07:00 - 2024/03/28
أعلنت شركة "اثمار ميديا" إيقاف بث حلقات سلسلة "خوك من بوك" الذي يبث على تلفزة تي في بتونس وبينت ا
19:21 - 2024/03/27
توفي صباح اليوم الأربعاء 27 مارس 2024 عفيف كشك مؤسس مجلة "توريزم أنفو" بعد صراع مع المرض.
12:53 - 2024/03/27