مع الشروق..اقطعوا الطريق على مهندسي الفتن وتجّار الحرائق
تاريخ النشر : 08:00 - 2020/12/16
لماذا تسكت لغة العقل ويعجز الحوار، ولماذا يتكلم العنف بين الجيران وأبناء البلد الواحد؟
لماذا تعجز الكلمات وتغيب الحجة لتتكلم البنادق ويسقط الجرحى والقتلى إثر خلاف كان بالإمكان التدخل لفضّه من زمان بالاعتماد على مؤسسات الدولة وعلى علوية القانون؟
لائحة المدانين في أحداث دوز الشمالية وبني خداش وما خلفته من ضحايا ومن جراح قد لا تندمل إلى وقت طويل تشمل العديد من الأطراف... تأتي في طليعتها الدولة ومؤسسات الدولة وأجهزة الدولة التي سكتت وتسكت على مثل هذه الخلافات والصراعات حول أراضي العروش والأراضي الاشتراكية والتي تعد قنابل موقوتة تهدّد بالانفجار في كل لحظة وكل حين. الدولة وأجهزتها اكتفوا بالفرجة والخلاف حول «العين السخونة» يزداد سخونة وحرارة ليصل الأمر حدّ الاقتتال ببنادق الصيد... وليسقط قتلى وجرحى ويستفحل الأمر بعد أن تضاعف الخلاف حول الأرض بالدماء التي سالت... ذلك أنّ الاحتكاك بين الجانبين ظلّ يتصاعد منذ أسابيع.. والحشد والتجييش من الطرفين أخذ وقتا ليبلغا مداهما ويهيئان الظروف للغة البنادق والعصي بدل لغة الحجج والكلمات... ولقد وفّر هذا الحيّز الزمني فرصة مثالية لتدخل الدولة أولا للفصل بين الفريقين وثانيا للحيلولة دون انفلات الأوضاع ودخولها منطقة المواجهة... ونعتقد أن من يحكم هذه البلاد يفترض أنه عارف بخفايا وخبايا وتفاصيل التركيبة الاجتماعية للشعب الذي يحكمه كما نعتقد أنه من واجب من يحكم أن يكون مطلعا على تعقيدات العلاقات بين العروش وعلى سهولة العزف على وترها لتأجيج النعرات والفتن رغم جهد دولة الاستقلال على مدى 50 سنة أو تزيد في تجفيف منابع العروشية وصهرها في إطار وحدة وطنية كان ينعتها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بـ«الصماء»... من هنا فإنه كان يحمل على حكام وساسة أمور هذه البلاد استباق مآلات هذه الأزمة والتحرّك في الإبان لإخمادها في المهد.
الأحزاب والجمعيات والنشطاء هم كذلك مسؤولون عما جرى لأن هذه الهياكل والأطر تصبح غير ذات معنى ولا جدوى حين تغيب زمن الحضور وحين تعجز عن التأثير في الأحداث وتوجيهها صوب ما يدعم التهدئة والاستقرار وصوب ما يحفظ وحدة البلاد وسلامة نسيجها المجتمعي... بل ولعلها تتحمل المسؤولية الأولى لجهة حساسية دورها في التوعية والتحسيس وتهدئة الخواطر على الميدان بما يحول دون حصول المحظور...
إن ما حدث بين أهالي دوز الشمالية وبني خداش هو في نهاية المطاف جرس إنذار يفترض أن يفتح العيون وينبّه إلى هذه القنبلة الموقوتة المتمثلة في العروشية... والتي تهدّد بنسف الدولة ووحدة وسلامة أراضيها من الأساس ما لم يتحلّ الجميع بالشجاعة والمسؤولية اللازمتين لفتح ملفات كل الصراعات العالقة والخلافات الكامنة والتي تمثل وترا يسهل على المتآمرين وعلى أصحاب الأنفس المريضة تحريكه والعزف عليه... فاللحظة الإقليمية والدولية مضطربة جدا. و«الفوضى الخلاقة» تقرع على كل الأبواب.. ونظرية التقسيم وإعادة التشكيل «تتحرك في كل اتجاه معتمدة على وصفة «دمّر نفسك بنفسك» حتى يسهل تفكيك الدول القائمة وإعادة تشكيلها في كيانات قزمية ضعيفة وعاجزة وتقبل بالخضوع وبالدوران في فلك القوى الإقليمية والدولية المهيمنة.
وإذا كانت بلادنا لا تحوي طوائف ولا مذاهب متعددة، فإن الصائدين في المياه العكرة بإمكانهم أخذنا من جبهة العرش والقبيلة وتفجير نسيجنا المجتمعي. وهو ما وجب أن يتنبّه إليه حكامنا ليسدوا الطريق على مشعلي الفتن وعلى النافخين على نيرانها معوّلين على ضعف الدولة وارتخاء قبضتها.
إن اللحظة دقيقة وحساسة جدا. وهي تدعو الجميع حكاما ومحكومين وأحزابا وجمعيات ونشطاء ونخبا ومثقفين إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية في الحفاظ على وحدة البلاد وقطع الطريق على مخططات مهندسي الفتن وتجار الحرائق.
عبد الحميد الرياحي
لماذا تسكت لغة العقل ويعجز الحوار، ولماذا يتكلم العنف بين الجيران وأبناء البلد الواحد؟
لماذا تعجز الكلمات وتغيب الحجة لتتكلم البنادق ويسقط الجرحى والقتلى إثر خلاف كان بالإمكان التدخل لفضّه من زمان بالاعتماد على مؤسسات الدولة وعلى علوية القانون؟
لائحة المدانين في أحداث دوز الشمالية وبني خداش وما خلفته من ضحايا ومن جراح قد لا تندمل إلى وقت طويل تشمل العديد من الأطراف... تأتي في طليعتها الدولة ومؤسسات الدولة وأجهزة الدولة التي سكتت وتسكت على مثل هذه الخلافات والصراعات حول أراضي العروش والأراضي الاشتراكية والتي تعد قنابل موقوتة تهدّد بالانفجار في كل لحظة وكل حين. الدولة وأجهزتها اكتفوا بالفرجة والخلاف حول «العين السخونة» يزداد سخونة وحرارة ليصل الأمر حدّ الاقتتال ببنادق الصيد... وليسقط قتلى وجرحى ويستفحل الأمر بعد أن تضاعف الخلاف حول الأرض بالدماء التي سالت... ذلك أنّ الاحتكاك بين الجانبين ظلّ يتصاعد منذ أسابيع.. والحشد والتجييش من الطرفين أخذ وقتا ليبلغا مداهما ويهيئان الظروف للغة البنادق والعصي بدل لغة الحجج والكلمات... ولقد وفّر هذا الحيّز الزمني فرصة مثالية لتدخل الدولة أولا للفصل بين الفريقين وثانيا للحيلولة دون انفلات الأوضاع ودخولها منطقة المواجهة... ونعتقد أن من يحكم هذه البلاد يفترض أنه عارف بخفايا وخبايا وتفاصيل التركيبة الاجتماعية للشعب الذي يحكمه كما نعتقد أنه من واجب من يحكم أن يكون مطلعا على تعقيدات العلاقات بين العروش وعلى سهولة العزف على وترها لتأجيج النعرات والفتن رغم جهد دولة الاستقلال على مدى 50 سنة أو تزيد في تجفيف منابع العروشية وصهرها في إطار وحدة وطنية كان ينعتها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بـ«الصماء»... من هنا فإنه كان يحمل على حكام وساسة أمور هذه البلاد استباق مآلات هذه الأزمة والتحرّك في الإبان لإخمادها في المهد.
الأحزاب والجمعيات والنشطاء هم كذلك مسؤولون عما جرى لأن هذه الهياكل والأطر تصبح غير ذات معنى ولا جدوى حين تغيب زمن الحضور وحين تعجز عن التأثير في الأحداث وتوجيهها صوب ما يدعم التهدئة والاستقرار وصوب ما يحفظ وحدة البلاد وسلامة نسيجها المجتمعي... بل ولعلها تتحمل المسؤولية الأولى لجهة حساسية دورها في التوعية والتحسيس وتهدئة الخواطر على الميدان بما يحول دون حصول المحظور...
إن ما حدث بين أهالي دوز الشمالية وبني خداش هو في نهاية المطاف جرس إنذار يفترض أن يفتح العيون وينبّه إلى هذه القنبلة الموقوتة المتمثلة في العروشية... والتي تهدّد بنسف الدولة ووحدة وسلامة أراضيها من الأساس ما لم يتحلّ الجميع بالشجاعة والمسؤولية اللازمتين لفتح ملفات كل الصراعات العالقة والخلافات الكامنة والتي تمثل وترا يسهل على المتآمرين وعلى أصحاب الأنفس المريضة تحريكه والعزف عليه... فاللحظة الإقليمية والدولية مضطربة جدا. و«الفوضى الخلاقة» تقرع على كل الأبواب.. ونظرية التقسيم وإعادة التشكيل «تتحرك في كل اتجاه معتمدة على وصفة «دمّر نفسك بنفسك» حتى يسهل تفكيك الدول القائمة وإعادة تشكيلها في كيانات قزمية ضعيفة وعاجزة وتقبل بالخضوع وبالدوران في فلك القوى الإقليمية والدولية المهيمنة.
وإذا كانت بلادنا لا تحوي طوائف ولا مذاهب متعددة، فإن الصائدين في المياه العكرة بإمكانهم أخذنا من جبهة العرش والقبيلة وتفجير نسيجنا المجتمعي. وهو ما وجب أن يتنبّه إليه حكامنا ليسدوا الطريق على مشعلي الفتن وعلى النافخين على نيرانها معوّلين على ضعف الدولة وارتخاء قبضتها.
إن اللحظة دقيقة وحساسة جدا. وهي تدعو الجميع حكاما ومحكومين وأحزابا وجمعيات ونشطاء ونخبا ومثقفين إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية في الحفاظ على وحدة البلاد وقطع الطريق على مخططات مهندسي الفتن وتجار الحرائق.
عبد الحميد الرياحي
