مع الشروق ..ميلاد نظام دولي متعدّد الأقطاب؟
تاريخ النشر : 07:00 - 2022/02/06
سوف يكتب التاريخ أن غزو العراق وتدمير دولته وتفكيك مؤسساته واغتيال قيادته الشرعية بكل تلك الوحشية والقسوة قد كان بمثابة رقصة ديك مذبوح لنظام عالمي احادي القطبية بدأ يتراجع وأرادت أمريكا انعاشه وانقاذه من سقوط محتوم.
العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل والادارة الأمريكية كانت تدرك ذلك جيّد الادراك. ولو كانت تعلم أنه يملك أسلحة كيمياوية أو جرثومية أو نووية ما كانت لتحشد الجيوش وتقدم على غزوه واحتلاله واسقاط نظامه.. والعراق مهما كانت قوته العسكرية لم يكن يساوي شيئا يذكر بميزان القوى العسكرية. بمعنى أن الامبراطورية الأمريكية حين حسمت أمرها وقرّرت غزو بلاد الرافدين كانت تدرك جيدا بأن الكفة راجحة بالكامل لفائدتها وأنه كان بإمكانها تعبئة قوة حربية أقل من تلك التي استعملتها بكثير لتحقيق الهدف الأمريكي الاستراتيجي البعيد كل البعد عن تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل المزعومة ولا عن ارساء الديمقراطية في العراق لأن أمريكا لا تنظر بمنظار أبعد من نفط العرب وثرواتهم ومن ما يسمى «أمن اسرائيل». ومع ذلك فقد تعمّدت أمريكا حشد كل تلك القوة النارية المدمرة.. وهي خطوة لم تكن مجانية ولا عبثية.. بل انها كانت حمّالة رسائل وحبلى بالاشارات.
حين واجهت بعض القيادات العسكرية الأمريكية وزير الحرب الأمريكي آنذاك دونالد رمسفيلد بالقول بأنه لا ضرورة لحشد وتعبئة كل تلك القوة النارية ردّ بقسماته المتجهمة وبقسوته المعهودة بأنه تعمد الأمر أولا لأن استعراض كل تلك القوة النارية وتحويل العراق إلى حقل رماية واستعراض للعضلات سوف يكون آخر مرة تلجأ فيها واشنطن إلى القوة العسكرية لتغيير نظام وتصعيد آخر ولتأكيد سلطان وحماية مصالح.. وثانيا لأن استخدام كل ذلك الحجم من القوة النارية وكل تلك القسوة في تدمير بلد وتحطيم شعب وحضارة هو في نهاية المطاف حامل رسائل مضمونة الوصول في اتجاه القطبين الصاعدين الآخرين فيدرالية روسيا وجمهورية الصين. أما ثالث الأهداف فكان يتمثل في تثبيت النظام الدولي الاحادي القطبية الخاضع للهيمنة الأمريكية والمقصي لكل التطلعات نحو نظام دولي متعدد الأقطاب..
وبالفعل، على هذا الدرب مضت الامبراطورية الأمريكية وتمادت في تنفيذ استراتجيتها الهادفة إلى إقامة ما يسمى بـ«شرق أوسط جديد أو حديث» يقوم على تقسيم دول الشرق الأوسط وإعادة تشكيلها بما يخدم أهداف أمريكا وأهداف حليفها الاستراتيجي الكيان الصهيوني.. وكما «بشرت» بذلك كوندوليزا رايس قبيل غزو العراق من أن كرة النار سوف تتدحرج إلى عديد البلدان العربية بغية اغراقها في الفوضى تمهيدا لتفكيكها بالاعتماد على نظرية «دمر نفسك بنفسك» وتهيئتها لاشتراطات ومتطلبات «اعادة التشكيل».. فنحن لا نزال نعيش ارتدادات تدحرج كرة نار «الفوضى الخلاقة» في منطقتنا العربية واثارها المدمرة على الدول وعلى استقرارها وكذلك على الشعوب وقضاياها وتطلعاتها.
هل انتهت اللعبة عند هذا الشوط؟ بالتأكيد لا.. لأن الأقطاب الأخرى وتحديدا القطبان الروسي والصيني لم يبقيا مكتوفي الأيدي. ولم يقولا بعد كلمتهما الأخيرة. خاصة وقد راكما من مقومات القوة العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية ما يكفي للجم الغطرسة الأمريكية وهذا الاندفاع الأمريكي للانفراد بترتيب شؤون العالم.. ولعل العالم شهد قبل يومين ميلاد نظام دولي جديد متعدد الأقطاب اثر توقيع الرئيسين الروسي والصيني على وثيقة مشتركة تحمل اسم «الاعلان المشترك بخصوص دخول العلاقات الدولية عهدا جديدا والتنمية المستدامة». خطوة صعقت الادارة الأمريكية وهي بالتأكيد سوف تنهي عهد الاحادية القطبية وعهد انفراد أمريكا بقيادة العالم وهيمنتها على المجتمع الدولي.. وكذلك لحظة فارقة على القوى الاقليمية التقاطها والدفع باتجاه تجذيرها بما سوف يخدم السلم والأمن الدوليين ويتيح فرصا حقيقية لعلاقات دولية مستقرة ولتنمية مستدامة تنعم بخيراتها كل شعوب المعمورة.
عبد الحميد الرياحي
سوف يكتب التاريخ أن غزو العراق وتدمير دولته وتفكيك مؤسساته واغتيال قيادته الشرعية بكل تلك الوحشية والقسوة قد كان بمثابة رقصة ديك مذبوح لنظام عالمي احادي القطبية بدأ يتراجع وأرادت أمريكا انعاشه وانقاذه من سقوط محتوم.
العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل والادارة الأمريكية كانت تدرك ذلك جيّد الادراك. ولو كانت تعلم أنه يملك أسلحة كيمياوية أو جرثومية أو نووية ما كانت لتحشد الجيوش وتقدم على غزوه واحتلاله واسقاط نظامه.. والعراق مهما كانت قوته العسكرية لم يكن يساوي شيئا يذكر بميزان القوى العسكرية. بمعنى أن الامبراطورية الأمريكية حين حسمت أمرها وقرّرت غزو بلاد الرافدين كانت تدرك جيدا بأن الكفة راجحة بالكامل لفائدتها وأنه كان بإمكانها تعبئة قوة حربية أقل من تلك التي استعملتها بكثير لتحقيق الهدف الأمريكي الاستراتيجي البعيد كل البعد عن تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل المزعومة ولا عن ارساء الديمقراطية في العراق لأن أمريكا لا تنظر بمنظار أبعد من نفط العرب وثرواتهم ومن ما يسمى «أمن اسرائيل». ومع ذلك فقد تعمّدت أمريكا حشد كل تلك القوة النارية المدمرة.. وهي خطوة لم تكن مجانية ولا عبثية.. بل انها كانت حمّالة رسائل وحبلى بالاشارات.
حين واجهت بعض القيادات العسكرية الأمريكية وزير الحرب الأمريكي آنذاك دونالد رمسفيلد بالقول بأنه لا ضرورة لحشد وتعبئة كل تلك القوة النارية ردّ بقسماته المتجهمة وبقسوته المعهودة بأنه تعمد الأمر أولا لأن استعراض كل تلك القوة النارية وتحويل العراق إلى حقل رماية واستعراض للعضلات سوف يكون آخر مرة تلجأ فيها واشنطن إلى القوة العسكرية لتغيير نظام وتصعيد آخر ولتأكيد سلطان وحماية مصالح.. وثانيا لأن استخدام كل ذلك الحجم من القوة النارية وكل تلك القسوة في تدمير بلد وتحطيم شعب وحضارة هو في نهاية المطاف حامل رسائل مضمونة الوصول في اتجاه القطبين الصاعدين الآخرين فيدرالية روسيا وجمهورية الصين. أما ثالث الأهداف فكان يتمثل في تثبيت النظام الدولي الاحادي القطبية الخاضع للهيمنة الأمريكية والمقصي لكل التطلعات نحو نظام دولي متعدد الأقطاب..
وبالفعل، على هذا الدرب مضت الامبراطورية الأمريكية وتمادت في تنفيذ استراتجيتها الهادفة إلى إقامة ما يسمى بـ«شرق أوسط جديد أو حديث» يقوم على تقسيم دول الشرق الأوسط وإعادة تشكيلها بما يخدم أهداف أمريكا وأهداف حليفها الاستراتيجي الكيان الصهيوني.. وكما «بشرت» بذلك كوندوليزا رايس قبيل غزو العراق من أن كرة النار سوف تتدحرج إلى عديد البلدان العربية بغية اغراقها في الفوضى تمهيدا لتفكيكها بالاعتماد على نظرية «دمر نفسك بنفسك» وتهيئتها لاشتراطات ومتطلبات «اعادة التشكيل».. فنحن لا نزال نعيش ارتدادات تدحرج كرة نار «الفوضى الخلاقة» في منطقتنا العربية واثارها المدمرة على الدول وعلى استقرارها وكذلك على الشعوب وقضاياها وتطلعاتها.
هل انتهت اللعبة عند هذا الشوط؟ بالتأكيد لا.. لأن الأقطاب الأخرى وتحديدا القطبان الروسي والصيني لم يبقيا مكتوفي الأيدي. ولم يقولا بعد كلمتهما الأخيرة. خاصة وقد راكما من مقومات القوة العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية ما يكفي للجم الغطرسة الأمريكية وهذا الاندفاع الأمريكي للانفراد بترتيب شؤون العالم.. ولعل العالم شهد قبل يومين ميلاد نظام دولي جديد متعدد الأقطاب اثر توقيع الرئيسين الروسي والصيني على وثيقة مشتركة تحمل اسم «الاعلان المشترك بخصوص دخول العلاقات الدولية عهدا جديدا والتنمية المستدامة». خطوة صعقت الادارة الأمريكية وهي بالتأكيد سوف تنهي عهد الاحادية القطبية وعهد انفراد أمريكا بقيادة العالم وهيمنتها على المجتمع الدولي.. وكذلك لحظة فارقة على القوى الاقليمية التقاطها والدفع باتجاه تجذيرها بما سوف يخدم السلم والأمن الدوليين ويتيح فرصا حقيقية لعلاقات دولية مستقرة ولتنمية مستدامة تنعم بخيراتها كل شعوب المعمورة.
عبد الحميد الرياحي
