مع الشروق .. متى تتخلّص تونس من براثن صندوق النقد الدولي؟

مع الشروق .. متى تتخلّص تونس من براثن صندوق النقد الدولي؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/03/07

منذ سنوات و"سكاكين" صندوق النقد الدولي تحاصر رقاب التونسيين ولا تترك لهم مُتنفسا. إذ لا تكاد تمرّ فترة إلا ويتحرك الصندوق باتجاه تونس إما عبر تقارير أو زيارات أو اجتماعات مع مسؤولي الدولة ليذكّر مُجددا باقتراحاته وإملاءاته وشروطه ويبث في النفوس المخاوف والهواجس من القادم ويثير في كل مرة رائحة إجراءات مؤلمة تُطلّ برأسها على التونسيين وتطلب منهم الاستعداد لتقديم التضحيات والتنازلات..
منذ ماي 2016  تاريخ إعلان صندوق النقد الدولي عن برنامج دعم مالي مشروط لتونس بقيمة 2،8 مليار دولار، والتونسيون يعيشون سنويا حالة من الهواجس والارتباك والمخاوف لا تُعرف لها نهاية. ومع كل حكومة يقع التلويح بالإعلان عن "إجراءات مؤلمة" تنفيذا لإملاءات الصندوق، ووقع المرور إلى تنفيذ بعضها، وهو ما أثّر سلبا على المعيشة وساهم في ارتفاع الأسعار وأدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
وفي الأيام الأخيرة بدأ الحديث يدور عن "محادثات" جديدة أطلقتها تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات أخرى مع الالتزام بتنفيذ املاءات إضافية أبرزها التقليص من دعم الدولة خاصة في مجال المحروقات ومزيد الضغط على الأجور والجدية في معالجة ازمة المؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات إلى جانب إملاءات أخرى لن تؤدي سوى لمزيد من التضييقات على معيشة المواطن.
وبالتوازي مع كل ذلك بدت لهجة الصندوق تجاه تونس هذه المرة أكثر حدّة وهو ما يعني وضعها أمام الأمر الواقع لتمكينها من المساعدات المالية التي تبدو في حاجة أكيدة إليها بسبب العجز الكبير الذي أصبحت تعانيه الميزانية. ويثير ذلك جملة من التساؤلات حول عدم تحلي صندوق النقد الدولي بالمرونة مع تونس وتفهم وضعها الاقتصادي والاجتماعي الاستثنائي الذي سبّبه الانشغال بالانتقال الديمقراطي والذي تفاقم نحو الأسوإ جراء وباء كورونا..
ويدفع هذا "الحصار" المُتجدّد على تونس نتيجة تواصل إملاءات الصندوق إلى التساؤل إن كان سيمتدّ إلى ما لا نهاية وهل أن مختلف الأجيال القادمة ستواصل تحمل تبعاته وهل أن الدولة ستكتفي بـ"الفُرجة". فكل المؤشرات تقول إن الحكومة الحالية والحكومات التي ستخلفها لن تقدر على النجاة منه ما لم تعمل على استنباط "حلول داخلية" لتوفير التمويلات اللازمة للميزانية وعلى تجنب الانسياق وراء "متعة" القروض الخارجية دون عناء التفكير في حلول بديلة.
وتتوفر أمام الحكومة حلول بديلة عديدة على غرار الحزم في استخلاص ديون الدولة المستحقة تجاه المتهربين من الضريبة وغيرهم والتي فضحها مؤخرا تقرير محكمة المحاسبات، وبذل جهود أكثر لحماية المال العام من الفساد والاستيلاء. فبذلك يمكنها أن توفر تمويلات داخلية تسُدّ بها عجز الميزانية وتُجنب الدولة الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية والاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي وغيره.
وبإمكان الحكومة توفير تمويلات داخلية أخرى عبر الحزم في إعادة إنتاج الفسفاط إلى نسقه الطبيعي وعبر إرساء ديبلوماسية اقتصادية حقيقية قادرة على جلب الاستثمارات والسياح وعلى تطوير الصادرات.. وبإمكانها ذلك أيضا عبر اصلاح الفلاحة وإرساء رقمنة حقيقية للإدارة لتطوير أدائها والتحلي بالجرأة والشجاعة اللازمة لإصلاح المؤسسات العمومية المستنزفة للمال العام واتباع سياسة تقشف حقيقية في النفقات العمومية.
أما مواصلة "الانتشاء" بمتعة الاقتراض الخارجي مع تنفيذ املاءات وشروط المانحين فإنه لن يؤدي بالدولة سوى إلى الإفلاس وبالإقتصاد إلى الانهيار التام وبالشعب إلى احتقان وغضب غير مسبوقين !
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك