مع الشروق .. قطاع النقل و«تشويه» صورة البلاد

مع الشروق .. قطاع النقل و«تشويه» صورة البلاد

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/04/26

تكشف الصور ومقاطع الفيديو المتداولة يوميا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ما أصبح يعيشه اليوم قطاع النقل في تونس من حالة غير مسبوقة من التردي والتدهور. وقد أصبح ذلك يتسبب في حالة من الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي فضلا عن حالة عامة من الاستياء لدى مختلف الفاعلين الاقتصاديين نتيجة تحول النقل بفرعيه العمومي والخاص الى عبء ثقيل على معيشة الناس وعلى الدورة الاقتصادية بدل أن يكون مساهما بارزا في الرفاه المعيشي وفي خلق الثروة وتحقيق النمو. فعديد الدول تستمدّ اليوم قوتها الاقتصادية ونماءها الاجتماعي من تطور جودة النقل فيها.
 أصبح النقل العمومي يُعدّ اليوم – بإجماع اغلب التونسيين -  من أبرز معطّلات النمو في البلاد.  فالمواطن أصبح يتحاشى التنقل لقضاء شؤونه سواء الخاصة او التي تهم مجال عمله ونشاطه خوفا مما سيتكبده من مشقة كبرى للوصول الى مقصده بسبب الاكتظاظ الكبير وندرة وسائل النقل العمومي وتعطّبها باستمرار. والمؤسسة   أصبحت بدورها تعاني من ارتفاع تكاليف نقل السلع بسبب عدم وجود شبكة متطورة للنقل الحديدي للبضائع وأيضا بسبب ارتفاع ظاهرة تأخر وصول العاملين فيها الى مقر العمل في الأوقات المضبوطة او غيابهم بسبب عدم العثور على وسيلة نقل.
والنقل الخاص تحوّل بدوره إلى "كابوس" للمواطن نتيجة ما يحصل داخله من فوضى وتهميش وتجاوزات واختراق للقوانين. فقطاع التاكسي الفردي أصبحت تسوده مظاهر الامتناع عن نقل الحريف و"البيع المشروط" والترفيع في التعريفة دون موجب بتعلّة استعمال التطبيقات الذكية، وخرج تقريبا عن سيطرة الدولة، وهو ما يحصل في قطاعات النقل الخاص الأخرى لكن بدرجة أقل. واستعمال السيارة الخاصة تحول بدوره الى معاناة للمواطن بسبب تعطيلات الاكتظاظ المروري وغلاء أسعار السيارات تكاليف الوقود وقطع الغيار والمعاليم وتردي البنية التحتية للطرقات وكثرة حوادث المرور..
في شتى دول العالم، يُقاس حجم التطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي بجودة النقل فيها سواء تعلق الأمر بالنقل العمومي او بالنقل الخاص . فتطوير الاقتصاد وتحقيق الهدوء الاجتماعي والرفاه المعيشي لا يمكن أن يتحقق دون نقل منظم ونظيف وآمن يسمح للمواطن بالتنقل في ظروف مريحة وفي الوقت المناسب ويسمح لمختلف الفاعلين الاقتصاديين بأداء مهامهم في أفضل الظروف. وهو ما نجحت عديد الدول في تحقيقه، بما في ذلك دول افريقية وعربية وآسيوية خاصة في مجال النقل الحديدي الذي يمثل قوة دفع اقتصادي وتنموي كبيرة وأيضا النقل النظيف الذي يعتمد على الطاقات المتجدّدة..
تساؤلات عديدة تحوم اليوم حول ما بلغه اليوم قطاع النقل في تونس من حالة تعيسة وما بلغته نوعية الخدمات من وضع متردّ ابرزها، هل لهذه الدرجة لا تستثمر الدولة في قطاع النقل؟ وهل لهذه الدرجة لم يهتد المشرفون على قطاع النقل على مرّ السنوات، من وزراء ومديرين ومسؤولين بسلطة الإشراف وبالشركات العمومية إلى حلول يمكن أن تطوّر صورة النقل في تونس كما يحصل في مختلف الدول؟ لماذا تعاني المؤسسات العمومية الناشطة في قطاع النقل العمومي دائما من الإفلاس؟ أليست لها مداخيل قارة متأتية من معاليم النقل والتي من المفروض أن تكون كافية لتطوير خدماتها ؟
آن الأوان أن تفكر الدولة اليوم في قطاع النقل أكثر من أي وقت مضى، وان تُعجّل بتخصيص ميزانيات استثنائية له يقع توفيرها  -ان لزم الامر- من ميزانيات أخرى، وتفكر في حلول جذرية تقطع مع تلك الصور والفيديوهات المتداولة يوميا والتي لا يمكن إلا أن تعكس صورة سيئة عن القطاع وعن البلاد بشكل عام.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك