مع الشروق : عندما تتوجّه أمريكا إلى «تبريد الجبهات» !

مع الشروق : عندما تتوجّه أمريكا إلى «تبريد الجبهات» !

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/07/10

من غزة إلى لبنان ووصولا إلى طهران تظهر الادارة الأمريكية رغبة واضحة في «تبريد» الجبهات الثلاث.. فهي تضغط على حليفها نتنياهو لابرام اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة.. وهي تبدي رضى بيّنا وغير معهود عن الرد اللبناني على الورقة الأمريكية التي تضمنت العديد من الاستحقاقات.. وهي فيما يخص  الملف الايراني تبدي توجها واضحا نحو الدخول في جولة مفاوضات جديدة بخصوص ملف النووي الايراني.
هذه المواقف الأمريكية الثلاثة التي تتبناها وتدافع عنها إدارة ترامب تتناقض بالكامل مع طموحات حليفها وشريكها نتنياهو الذي يرفع راية مواصلة الحرب والضغط العسكري في غزة حتى «تحقيق أهداف الحرب» كما يقول وهي تتمثل في تخليص الرهائن وفي القضاء على حركة حماس وتقويض هياكلها حتى لا تقوى مجددا على إدارة القطاع وعلى أن تشكل «تهديدا» للكيان الصهيوني. أما في لبنان فإن نتنياهو يواصل الضغط العسكري ويكرر اعتداءاته رغم اتفاق وقف اطلاق النار المبرم مع لبنان وذلك لدفع قوات حزب الله إلى ما راء نهر الليطاني ولفرض تجريد حزب الله من سلاحه.. في حين أن معالجة نتنياهو لملف النووي الايراني تختلف جوهريا عن المعالجة الأمريكية. ففي حين تراهن إدارة ترامب وخاصة بعد حرب الـ 12 يوما على ـ مرونة ـ أكبر في الموقف الايراني يمكّن من الوصول إلى هدف منع ايران من حيازة سلاح نووي دون الحاجة إلى الخيار العسكري الذي أظهرت ايران أنها لم تعد تخشاه.. بل أنها تملك في سياقه جملة من الأوراق التي لا ترغب أمريكا في رؤية إيران تستخدمها من قبيل قصف اسرائيل التي كانت تترنح تحت ضربات ايران الصاروخية ومن قبيل قصف القواعد الأمريكية المنتشرة في الاقليم واغلاق مضيق هرمز في وجه التجارة الدولية.. في هذا الوقت مازال نتنياهو يراهن بل يحلم ويضغط ومعه اللوبي الصهيوني لتوريط أمريكا في مواجهة مباشرة مع ايران تفضي إلى تحقيق الأهداف الاسرائيلية بأياد أمريكية.
فماذا يعني هذا التناقض في مواقف الحليفين الشريكين في أهداف النزاعات الثلاثة من غزة وفلسطين إلى لبنان وصولا إلى إيران؟ وماذا يعني أن «تتخلى» أمريكا عن حليفها نتنياهو في منتصف الطريق فتتجه إلى تبريد الجبهات وتتركه يمضي وحيدا في طريق التسخين واشعال الحروب؟
لا أحد يمتلك الاجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الحائرة والحارقة التي يطرحها هذا التوجه الأمريكي الجديد. ومع ذلك فإن عدة عناصر للاجابة تبرز في محيط هذه التساؤلات.. أول عنصر يتمثل في قدرة الادارة الأمريكية على المخاتلة والمداورة والمناورة.. بحيث تتمكن من تحقيق الأهداف السياسية حتى من رحم الهزائم العسكرية. هي في هذا المجال أشبه ما تكون بملاكم يتجه إلى خسارة النزال بالنقاط وتبدو عليه علامات التعب والوهن لكنه ينجح في كيل لكمات حاسمة وهو يتراجع ليجد المنافس نفسه طريح الحلبة في حين كان يمني النفس بتحقيق الانتصار.
وبعبارة أخرى فإن الادارة الأمريكية حين تبدي هذه المرونة غير المعهودة تصبح أشد خطرا وأكثر مكرا لأنها سوف تسعى إلى تحقيق أهداف «حروب نتنياهو»  وأهدافها ولكن بأياد وبصياغات وبمخرجات أمريكية تفرضها على طاولات التفاوض.
ثاني عنصر يظهر من هذا الموقف الأمريكي ويمكن التوقف عنده هو حرص إدارة ترامب على انقاذ اسرائيل من براثن نتنياهو الذي يقودها بإصرار إلى حروبه المجنونة والتي عرت وجهها القبيح في غزة وحولتها إلى كيان منبوذ عالميا وكسرت شوكتها في لبنان ودمرت هيبتها مع إيران. وأمريكا تدرك أنه لولا تدخل ترامب لانقاذ الكيان لكان انهار تحت الضربات الموجعة للصواريخ الايرانية.
أما ثالث هذه العناصر فيشي بنهاية المستقبل السياسي لرئيس وزراء الكيان. فقد ضجرت أمريكا من شريك لا يتوقف عن إشعال الحروب والنزاعات ويجرها إلى الانخراط فيها بدل التركيز على صراعاتها الاستراتيجية الكبرى مع الصين وروسيا ودول «البريكس» التي تزحف بزخم كبير نحو ارساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ينهي سطوة وسيطرة أمريكا على النظام العالمي الحالي. إدارة ترامب تدرك ان مستقبل نتنياهو السياسي مرهون باستمرار حروبه الخارجية وحين تتجمد هذه الحروب فإنه سيجد نفسه في مواجهة لحظة الحقيقة وفي مواجهة سيل من التهم تبدأ بالفساد وتنتهي عند التقصير والتلاعب وأخذ البلاد والمنطقة إلى أتون الحرب خدمة لأهدافه وطموحاته السياسية؟
بكل تأكيد أمريكا لن تتحول إلى  حمامة سلام بين عشية وضحاها طالما بقيت بين براثن اللوبي الصهيوني.. وهو ما يفرض على اللاعبين الاقليميين من غزة إلى لبنان وصولا إلى طهران التحلي بأعلى درجات اليقظة حتى لا يجدوا أنفسهم يقدمون لترامب بالتفاوض والمبادرات ما عجز عن أخذه نتنياهو بالغطرسة والحرب !
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك