مع الشروق : سقوط الصهاينة وولادة وعي عالمي جديد
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/16
بعد سنتين من أفظع الحروب التي شهدها التاريخ الحديث، تضع الحرب في غزة أوزارها، لكن نهاية المعارك لم تكن كما أرادتها إسرائيل، بل كما رسمتها المقاومة الفلسطينية، فقد خرجت تل أبيب من هذه الحرب مثخنة الجراح، لا فقط عسكريا واقتصاديا، بل أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا، لتجد نفسها أمام انهيار شامل في صورتها التي حاولت تلميعها منذ قيامها المشؤوم سنة 1948.
فمنذ تأسيسه، بنى الكيان الصهيوني جزءا كبيرا من صورته على أسطورة المظلومية القائمة على رواية زائفة مفادها "الشعب الصغير المحاط بالأعداء"، و"الناجون من الهولوكوست الذين يبحثون عن الأمن والسلام" كانت تُسوّقها عبر ما يُعرف بـ"الهاسبارا"، أي ماكينة الدعاية الإسرائيلية، سقطت اليوم سقوطا مدويا تحت ركام غزة، فظهرت إسرائيل للعالم على حقيقتها: قوة استعمارية تمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية بلا وازع، وتضرب عرض الحائط بكل القوانين والمعاهدات الدولية.
لقد شاهد العالم بأسره بالصوت والصورة تجويع الأطفال، وقصف المستشفيات والمدارس، وإبادة العائلات عن بكرة أبيها، ولم تعد "الهاسبارا" قادرة على تزييف الوعي أو تلميع الجريمة، فالصورة صارت أقوى من الخطاب، والفيديوهات القادمة من غزة أبطلت مفعول الدعاية القديمة، ومن رحم هذا الألم، انقلبت المعادلة، فمن كان يُنظر إليه كـ"ضحية" صار اليوم "جلادا"، ومن كان يُتهم بـ"الإرهاب" أصبح رمزا للمقاومة والصمود في وجه آلة الحرب والإبادة الإرهابية.
مما لا شكّ فيه أن حرب غزة أحدثت شرخا عميقا داخل الغرب نفسه، فخرجت الملايين في شوارع باريس ولندن ومدريد ونيويورك، لا لتدعم إسرائيل كما كان يحدث سابقا، بل لتندّد بجرائمها وتطالب بوقف الإبادة، وتهاوى بذلك جدار الصمت الغربي، ووجدت الحكومات نفسها أمام ضغط شعبي غير مسبوق، فحتى داخل الولايات المتحدة، الحليف التاريخي لتل أبيب، ارتفعت الأصوات في الجامعات والإعلام والكونغرس لتقول إن دعم الكيان المحتل لم يعد أخلاقيا ولا سياسيا ممكنا.
لم يعد الرأي العام الغربي يرى في الكيان الغاصب "دولة ديمقراطية في محيط عدائي"، بل كيانا مارقا عن القانون الدولي يمارس الاحتلال والعقاب الجماعي ويمنع الغذاء والدواء عن المدنيين، وهذا التحول العميق في الوعي الغربي هو أحد أكبر الخسائر غير القابلة للتدارك لإسرائيل، لأنه يضرب في الصميم شرعيتها الأخلاقية التي طالما احتمت بها.
أما على الأرض، ففشلت كل أهدافها الاستراتيجية، إذ لم تستطع إسرائيل القضاء على حماس، ولا كسر إرادة المقاومة، ولا فرض تهجير سكان غزة كما كانت تخطط في الأسابيع الأولى للحرب، بل بالعكس، فقد انتهت الحرب بعودة الأسرى عبر المفاوضات وليس عبر القوة، وهو ما يعني عمليا أن شروط المقاومة هي التي انتصرت، وبذلك تحوّلت عملية كانت تهدف لإذلال غزة إلى حقيقة ساطعة بأن القوة العسكرية الإسرائيلية انهارت وانهزمت وانكسرت أمام إرادة الشعب الفلسطيني.
وحتى على المستوى السياسي، يتهاوى بنيامين نتنياهو، الذي كان يظن أنه سيصنع من هذه الحرب خلاصه السياسي، فإذا به يتحوّل إلى أول رئيس وزراء إسرائيلي في التاريخ تطارده المحاكم الدولية بتهم الإبادة الجماعية، فقد فشل في إنقاذ رهائنه، وخسر ثقة جيشه، وأفقد بلاده صورتها أمام العالم.
فمن الثابت أن الكيان المحتل خرج من هذه الحرب ليس كما دخلها، فقد فقدت ردعها العسكري، وانهار خطابها الدعائي، وتراجع دعم حلفائها الغربيين تحت ضغط شعوبهم، بينما كسب الفلسطينيون رغم الدمار الهائل معركة الوعي والشرعية الأخلاقية، وأصبحت غزة اليوم رمزا عالميا للمقاومة، مثلما كانت فيتنام رمزا للتحرر قبل نصف قرن.
ولعل أعظم ما كشفته الحرب هو أن الشعوب، وليست الحكومات، هي التي تصنع المواقف الأخلاقية، فحين تظاهر الملايين في كبريات المدن والعواصم العالمية والغربية رفضا للإبادة ودفاعا عن الإنسانية في شموليتها، فإن ذلك مثّل منعرجا حاسما في الحرب وقوة ضغط كبرى على الحكومات، فقد انتهت الحرب، لكن آثارها ستظل لعقود.
انتهت لتعلن سقوط "الهاسبارا" الإسرائيلية وولادة وعي عالمي جديد، يرى فلسطين لا كقضية إقليمية، بل كمرآة لضمير العالم، ومن رحم الركام والدمار، خرجت الحقيقة واضحة، أن الكيان الذي قام على الأسطورة الكاذبة والواهية، سيسقط في النهاية بحقائق الواقع، وأن غزة رغم جراحها انتصرت، لأنها كشفت زيف القوة أمام صمود العدالة.
هاشم بوعزيز
بعد سنتين من أفظع الحروب التي شهدها التاريخ الحديث، تضع الحرب في غزة أوزارها، لكن نهاية المعارك لم تكن كما أرادتها إسرائيل، بل كما رسمتها المقاومة الفلسطينية، فقد خرجت تل أبيب من هذه الحرب مثخنة الجراح، لا فقط عسكريا واقتصاديا، بل أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا، لتجد نفسها أمام انهيار شامل في صورتها التي حاولت تلميعها منذ قيامها المشؤوم سنة 1948.
فمنذ تأسيسه، بنى الكيان الصهيوني جزءا كبيرا من صورته على أسطورة المظلومية القائمة على رواية زائفة مفادها "الشعب الصغير المحاط بالأعداء"، و"الناجون من الهولوكوست الذين يبحثون عن الأمن والسلام" كانت تُسوّقها عبر ما يُعرف بـ"الهاسبارا"، أي ماكينة الدعاية الإسرائيلية، سقطت اليوم سقوطا مدويا تحت ركام غزة، فظهرت إسرائيل للعالم على حقيقتها: قوة استعمارية تمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية بلا وازع، وتضرب عرض الحائط بكل القوانين والمعاهدات الدولية.
لقد شاهد العالم بأسره بالصوت والصورة تجويع الأطفال، وقصف المستشفيات والمدارس، وإبادة العائلات عن بكرة أبيها، ولم تعد "الهاسبارا" قادرة على تزييف الوعي أو تلميع الجريمة، فالصورة صارت أقوى من الخطاب، والفيديوهات القادمة من غزة أبطلت مفعول الدعاية القديمة، ومن رحم هذا الألم، انقلبت المعادلة، فمن كان يُنظر إليه كـ"ضحية" صار اليوم "جلادا"، ومن كان يُتهم بـ"الإرهاب" أصبح رمزا للمقاومة والصمود في وجه آلة الحرب والإبادة الإرهابية.
مما لا شكّ فيه أن حرب غزة أحدثت شرخا عميقا داخل الغرب نفسه، فخرجت الملايين في شوارع باريس ولندن ومدريد ونيويورك، لا لتدعم إسرائيل كما كان يحدث سابقا، بل لتندّد بجرائمها وتطالب بوقف الإبادة، وتهاوى بذلك جدار الصمت الغربي، ووجدت الحكومات نفسها أمام ضغط شعبي غير مسبوق، فحتى داخل الولايات المتحدة، الحليف التاريخي لتل أبيب، ارتفعت الأصوات في الجامعات والإعلام والكونغرس لتقول إن دعم الكيان المحتل لم يعد أخلاقيا ولا سياسيا ممكنا.
لم يعد الرأي العام الغربي يرى في الكيان الغاصب "دولة ديمقراطية في محيط عدائي"، بل كيانا مارقا عن القانون الدولي يمارس الاحتلال والعقاب الجماعي ويمنع الغذاء والدواء عن المدنيين، وهذا التحول العميق في الوعي الغربي هو أحد أكبر الخسائر غير القابلة للتدارك لإسرائيل، لأنه يضرب في الصميم شرعيتها الأخلاقية التي طالما احتمت بها.
أما على الأرض، ففشلت كل أهدافها الاستراتيجية، إذ لم تستطع إسرائيل القضاء على حماس، ولا كسر إرادة المقاومة، ولا فرض تهجير سكان غزة كما كانت تخطط في الأسابيع الأولى للحرب، بل بالعكس، فقد انتهت الحرب بعودة الأسرى عبر المفاوضات وليس عبر القوة، وهو ما يعني عمليا أن شروط المقاومة هي التي انتصرت، وبذلك تحوّلت عملية كانت تهدف لإذلال غزة إلى حقيقة ساطعة بأن القوة العسكرية الإسرائيلية انهارت وانهزمت وانكسرت أمام إرادة الشعب الفلسطيني.
وحتى على المستوى السياسي، يتهاوى بنيامين نتنياهو، الذي كان يظن أنه سيصنع من هذه الحرب خلاصه السياسي، فإذا به يتحوّل إلى أول رئيس وزراء إسرائيلي في التاريخ تطارده المحاكم الدولية بتهم الإبادة الجماعية، فقد فشل في إنقاذ رهائنه، وخسر ثقة جيشه، وأفقد بلاده صورتها أمام العالم.
فمن الثابت أن الكيان المحتل خرج من هذه الحرب ليس كما دخلها، فقد فقدت ردعها العسكري، وانهار خطابها الدعائي، وتراجع دعم حلفائها الغربيين تحت ضغط شعوبهم، بينما كسب الفلسطينيون رغم الدمار الهائل معركة الوعي والشرعية الأخلاقية، وأصبحت غزة اليوم رمزا عالميا للمقاومة، مثلما كانت فيتنام رمزا للتحرر قبل نصف قرن.
ولعل أعظم ما كشفته الحرب هو أن الشعوب، وليست الحكومات، هي التي تصنع المواقف الأخلاقية، فحين تظاهر الملايين في كبريات المدن والعواصم العالمية والغربية رفضا للإبادة ودفاعا عن الإنسانية في شموليتها، فإن ذلك مثّل منعرجا حاسما في الحرب وقوة ضغط كبرى على الحكومات، فقد انتهت الحرب، لكن آثارها ستظل لعقود.
انتهت لتعلن سقوط "الهاسبارا" الإسرائيلية وولادة وعي عالمي جديد، يرى فلسطين لا كقضية إقليمية، بل كمرآة لضمير العالم، ومن رحم الركام والدمار، خرجت الحقيقة واضحة، أن الكيان الذي قام على الأسطورة الكاذبة والواهية، سيسقط في النهاية بحقائق الواقع، وأن غزة رغم جراحها انتصرت، لأنها كشفت زيف القوة أمام صمود العدالة.
هاشم بوعزيز
