مع الشروق : حذار ... عندما تُستباح  المهرجانات يبدأ «مجتمع الغاب» 

مع الشروق : حذار ... عندما تُستباح  المهرجانات يبدأ «مجتمع الغاب» 

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/08/22

لم نعد نتفاجأ ونحن نستقبل على مسارح مهرجاناتنا العرجاء والنطيحة وما أكل السّبع،و نفتح  الباب  للمنحرفين والمُنفَلتين  و الشّواذ  والفُتوّات تحت تأثير نجومية شبكات التواصل الاجتماعي  و شعار "الجمهور  يريد ذلك ". 
خلال الصائفة المنقضية خلع فنان راب قميصه وتعرى على الركح وهو يغني، ورغم ما أثاره الأمر من جدل سارت الأمور كما الماء في النهر، لنتفاجأ بنفس الفنان وقد تورّط في شبكة مخدّرات و انتهى  إلى  السّجن.  أوّل أمس استقبل مهرجان الحمامات   مغني راب مغربي  بالأحضان وقامت لأجله الدّنيا ولم تقعد وهو المعروف بتطاوله وسلاطة لسانه ، بل تعرّض للمحاكمة في المغرب بسبب القذف والتّشهير والتّحريض على استهلاك المخدّرات وواجه عقوبة  بالسّجن تأجل تنفيذها، لنجده في أحد أعرق مهرجاناتنا  أمام هَبّة مذهلة من الشّباب والمراهقين وحتّى الأطفال  وبأسعار تذاكر  ولا في الخيال!. 
هذا المغني المعروف بصعوده على الرّكح وأداء الأغاني تحت تخميرة الإنتشاء، وهو يدخن القُنب الهندي أمام الآلاف، ويستهلك المُسكرات في استعراض فرجويّ هستيري ، وضرب صارخ  لضوابط العرض  واحترام الجمهور، حتّى لا نقول احترام الأخلاق ، يُدعى كغيره  إلى مهرجاناتنا بالدولار  ويحلون بيننا في  استضافات الملوك والأمراء ، فأيّ رسائل يقدّمونها  إلى  الجمهور وأيّ مضامين نافعة يروّجون ؟.
نحن نعلم أنّ  شريحة واسعة من جمهور الراب هم من  المراهقين والشّباب  وحتّى الأطفال اليافعين، وهؤلاء  في علمي النّفس والاجتماع يُصنّفون  بالفئات الهشّة سريعة التأثّر ، و الفئات القابلة لإعادة التّشكيل خاصة وأنّ  هروبهم إلى هذه الأغاني   وولعهم بها  يعبّر عن نزعة التمرّد في داخلهم ويغذي السّلوك الانحرافي  المكبوت لديهم ، فيجدون في مغنّيه ومردّديه أبواقا صادحة بما يعجزون عن قوله على وجه الملأ  .
وعندما نجد سهرة مبرمجة تحت إشراف  وزارة الثّقافة  لمنحرف  يبيّض جريمة استهلاك المخدّرات في جميع عروضه  ويلمّع الانحراف من الواجب  تحميلها المسؤولية حول  هذه الاختيارات المُسترابة، ومقاييس برمجة العروض الفنية في المهرجانات !!. وما إذا كانت الوزارة بمسؤوليها ومُبرمجيها ومُستشاريها تبحث في السِّير الذاتية للفنانين قبل برمجتهم أم أنّ  عيونهم توجّه مباشرة إلى من يقدر أكثر على ملء المدارج وهزّ المسارح وإدخال الملايين  !!؟.
لا مجال للشك اليوم أنّ شبكات التواصل الاجتماعي باتت تتدخل في تظاهراتنا و مهرجاناتنا وأذواقنا، تفرض الأسماء الأكثر قدرة على التعبئة والتّحشيد ،وتتحرّك تحت تأثير نجومية الافتراضي ، وتأثير الصورة والتّسويق الجيّد، وتبحث عن نجوم صنعتها آلة الدّعاية النّاجحة، صاحبة القدرة العجيبة على جعل الفراخ ديكة.
وبما أنّنا في زمن النّفخ في الرّماد ، وزمن غوغائي  بلا ضوابط ولا أخلاق ولا منطق، أساسه التسيّب  والانفلات،فإنّ الفُتوّات الملمّعة  للجريمة والانحراف  والبذاءة  والمحرّضة على التمرّد ، والمُنفلتة قيميّا،  جعلت  المجتمع التونسي يشهد انفجارا ذوقيا باسم حرية التعبير.  وطلع علينا  هؤلاء في الإذاعات والتلفزات والمهرجانات والتظاهرات بصولاتهم وجولاتهم  بعدما ظلوا لعقود  ينشطون في صمت مثل الخلايا السّرطانية .
واليوم ، بل لنقل ،منذ ثورتنا المجيدة،وقد احتل هؤلاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ،ووسائل التواصل الاجتماعي ، وعلت أصواتهم بالتحريض  والشتم وبثّ الحقد و النقمة على البلاد والعباد ، وباتت فتاواهم الانحرافية إيمانا في صدور أغلب مريديهم من الشّباب من الجنسين، علينا أن نطالب بإيقاف المهزلة وفرْملة هذا العبث  حتّى لا ندخل في مرحلة "مجتمع الغاب" وندوس على القوانين والأعراف ونسلّم  رقابنا للشّيطان .
إنّ  الحُجج القائلة  ب " دَعْه يُغنّي ،دَعْه يُعبّر "باسم  الجرأة وحرية التّعبير وحرية الضمير و"سفر الفن " و"الفن الكونيّ" و"صوت المهمّشين والمظلومين "، هي مجرّد مظلاّت خادعة لن تحمي رؤوس شبابنا من الحشو  بالأفكار  الاكتئابية و التّخريبية المحرّضة على هدْم القيم والمبادىء، وسلطة القانون والعائلة والدّعوة إلى الانفلات و الموت في أوجهه المتعددة من الحرقة إلى الجريمة بأنواعها.
ولمّا بات الأمر على درجة عالية من الصمت واللامبالاة و هذه الفتوّات تغزو الشاشات بأنواعها بمظهرها العجيب و حضورها البهلواني ولغتها القبيحة وعُقدها المدسوسة في اللاوعي، من حقنا أن نرفع الشّارة الحمراء قبل تلاوة الفاتحة على هذا الجيل وعلى الوعي وما تبقى لدينا من ذوق سليم.
وحيدة المي 

تعليقات الفيسبوك