مع الشروق .. تونس تفاوض الندّ للندّ
تاريخ النشر : 07:00 - 2023/07/19
بعد مفاوضات طويلة وزيارات ماراتونية لمسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى، توصّلت تونس والاتحاد الأوروبي إلى توقيع مذكرة تفاهم حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة.
صحيح أن مذكّرة التفاهم لاتزال غير واضحة المعالم باعتبار أن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، لكن من حيث المبدأ بدت مليئة بالشفافية ومن منطلق الندّ للندّ وليست على طريقة "السيّد والتابع" أو الاملاءات الفوقية.
العالم يتغيّر بسرعة والخطاب السيادي للدول، خاصة الاقليمية منها، بدأ يأخذ منحى تصاعديا وتونس ليست بمعزل عن هذا التمشي الجديد بعد سنوات الديمقراطية المغشوشة التي مزّقت الدولة وجعلتها منقسمة بين مراكز قوى.
رئيس الجمهورية قيّس سعيّد ومنذ البداية ، أدار لعبة التفاوض حول هذه المذكّرة بمنطق المصلحة المتبادلة وبمنطق الاحترام والعلاقات التاريخية، وليس بمنطق الضعيف الذي تمرّ بلاده بظروف صعبة وعليه وضع رقبته على الطاولة.
وكان طيلة فترة التفاوض وحتى قبلها، متمسّكا بمواقف معيّنة لم يحد عنها للأخير خاصة في ملف الهجرة حيث كرّر مرارا وتكرارا أن تونس ليست "حارس حدود" وأنها لن تقبل أبدا لا بأن تكون بلد عبور ولا بلد توطين.
والأمر الأهم هو حرص سعيّد على أن لا يكون ملف الهجرة هو الأمر الوحيد الذي يجب الجلوس على الطاولة من أجله، بل ضمن ملفات أخرى شاملة أتت عليها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال نقطة إعلامية الأحد الماضي.
ففي النهاية أوروبا في حاجة لتونس في هذا الملف، ودور تونس ليس لعب دور "شرطي المتوسّط" الذي عليه حماية أوروبا من جحافل المهاجرين وتحمّل أعبائهم لوحدها لنيل رضى السادة الأوروبيين.
وحتى إن قبلت تونس لعب دور ما في ملف الهجرة، فإنه سيكون ضمن تقاسم الأعباء بين كل الدول المتقاطعة في هذا الملف ، وليس ضمن حلّ فوقي، ففي النهاية لا تتحمّل تونس مسؤولية الهجرة غير النظامية لأوروبا.
بناء على ذلك تحديدا، جاء إعلان رئيسة مجلس الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني عن تحديد يوم 23 جويلية الجاري ،موعدا لمؤتمر حول الهجرة في روما، ورئيس الجمهورية قيّس سعيّد "ضيفا مبجّلا"، وفق تعبيرها.
ووفقا لذلك أيضا نجح سعيّد في فرض مفاهيم وأساليب جديدة للعلاقات بين تونس والاتحاد الاوروبي، لعلّ ابرزها أن تونس دولة ذات سيادة كاملة وهي حرة في شؤونها وفي مواقفها وفي مصالحها، وليست مجرّد حديقة خلفية.
إن الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة أمر جيّد ولا لبس فيه، لكن لا يمكن أبدا ضمن إطار التابع والسيّد بل ضمن السيادة والاحترام ودون ذلك هو مدخل لتفكيك الدول وسرقة مقدراتها ومستقبل أجيالها.
على القادة الاوروبيين أن يتفهّموا جيّدا أن نظرية "الحديقة والغابة" التي جادت بها قريحة السيّد جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قد ولّت وأن الجديد هو أن يكون الجميع في حديقة يعمّها الأمن والسلام والرفاهية أو أن الجميع أيضا في غابة تعمّها الفوضى والاضطرابات.
بدرالدّين السّيّاري
بعد مفاوضات طويلة وزيارات ماراتونية لمسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى، توصّلت تونس والاتحاد الأوروبي إلى توقيع مذكرة تفاهم حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة.
صحيح أن مذكّرة التفاهم لاتزال غير واضحة المعالم باعتبار أن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، لكن من حيث المبدأ بدت مليئة بالشفافية ومن منطلق الندّ للندّ وليست على طريقة "السيّد والتابع" أو الاملاءات الفوقية.
العالم يتغيّر بسرعة والخطاب السيادي للدول، خاصة الاقليمية منها، بدأ يأخذ منحى تصاعديا وتونس ليست بمعزل عن هذا التمشي الجديد بعد سنوات الديمقراطية المغشوشة التي مزّقت الدولة وجعلتها منقسمة بين مراكز قوى.
رئيس الجمهورية قيّس سعيّد ومنذ البداية ، أدار لعبة التفاوض حول هذه المذكّرة بمنطق المصلحة المتبادلة وبمنطق الاحترام والعلاقات التاريخية، وليس بمنطق الضعيف الذي تمرّ بلاده بظروف صعبة وعليه وضع رقبته على الطاولة.
وكان طيلة فترة التفاوض وحتى قبلها، متمسّكا بمواقف معيّنة لم يحد عنها للأخير خاصة في ملف الهجرة حيث كرّر مرارا وتكرارا أن تونس ليست "حارس حدود" وأنها لن تقبل أبدا لا بأن تكون بلد عبور ولا بلد توطين.
والأمر الأهم هو حرص سعيّد على أن لا يكون ملف الهجرة هو الأمر الوحيد الذي يجب الجلوس على الطاولة من أجله، بل ضمن ملفات أخرى شاملة أتت عليها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال نقطة إعلامية الأحد الماضي.
ففي النهاية أوروبا في حاجة لتونس في هذا الملف، ودور تونس ليس لعب دور "شرطي المتوسّط" الذي عليه حماية أوروبا من جحافل المهاجرين وتحمّل أعبائهم لوحدها لنيل رضى السادة الأوروبيين.
وحتى إن قبلت تونس لعب دور ما في ملف الهجرة، فإنه سيكون ضمن تقاسم الأعباء بين كل الدول المتقاطعة في هذا الملف ، وليس ضمن حلّ فوقي، ففي النهاية لا تتحمّل تونس مسؤولية الهجرة غير النظامية لأوروبا.
بناء على ذلك تحديدا، جاء إعلان رئيسة مجلس الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني عن تحديد يوم 23 جويلية الجاري ،موعدا لمؤتمر حول الهجرة في روما، ورئيس الجمهورية قيّس سعيّد "ضيفا مبجّلا"، وفق تعبيرها.
ووفقا لذلك أيضا نجح سعيّد في فرض مفاهيم وأساليب جديدة للعلاقات بين تونس والاتحاد الاوروبي، لعلّ ابرزها أن تونس دولة ذات سيادة كاملة وهي حرة في شؤونها وفي مواقفها وفي مصالحها، وليست مجرّد حديقة خلفية.
إن الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة أمر جيّد ولا لبس فيه، لكن لا يمكن أبدا ضمن إطار التابع والسيّد بل ضمن السيادة والاحترام ودون ذلك هو مدخل لتفكيك الدول وسرقة مقدراتها ومستقبل أجيالها.
على القادة الاوروبيين أن يتفهّموا جيّدا أن نظرية "الحديقة والغابة" التي جادت بها قريحة السيّد جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قد ولّت وأن الجديد هو أن يكون الجميع في حديقة يعمّها الأمن والسلام والرفاهية أو أن الجميع أيضا في غابة تعمّها الفوضى والاضطرابات.
بدرالدّين السّيّاري