مع الشروق : انهيار السردية الصهيونية...وبداية التفكك
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/11/27
لم يكن أكثر المنظّرين للصهيونية تشاؤما ليتوقّع أن يأتي يوم تصبح فيه «الدولة التي وُعدت بأنها واحة الأمن والازدهار لليهود»، طاردة لهم بدل أن تكون قبلة لشتاتهم، غير أنّ دراسة إسرائيلية مؤخرا كشفت أن ربع اليهود يفكّرون في الهجرة، وأن 10 % منهم يخطّطون فعليّا للمغادرة النهائية، في رقم لا يعدّ عابرا بل هو زلزال داخل السردية المؤسسة للكيان الصهيوني، تلك السردية التي بُني عليها المشروع الاستيطاني منذ 1948.
فعلى مدى عقود، روّجت الدعاية الصهيونية داخل الكيان وخارجه لفكرة أنّ إسرائيل «الوطن الآمن» و«الدولة المزدهرة اقتصاديّا»، غير أن الواقع اليوم يكذّب كل تلك الأوهام، ويكشف أنّ البريق اللامع لم يعد يخفي التصدّع العميق.
كانت «الحماية» أول وعود الصهيونية للجاليات اليهودية حول العالم، لكنّ الحرب على غزة، وما تلاها من تداعيات داخلية، أسقطت هذه السردية سقوطا مدويا، فالمجتمع الإسرائيلي يعيش حالة هلع وجودي غير مسبوق، مع انهيار ثقة المستوطنين بالمؤسسة العسكرية، وتزايد النزاعات داخل الحكومة والجيش، وتراجع الشعور بالأمان في عمق المدن التي كانت تُقدَّم كنماذج «للاستقرار»، فحين يفكّر ربع السكان في الرحيل، فهذا يعني ببساطة أنّ الكيان لم يعد قادرا على إقناع حتى مواطنيه بأنه المكان الأكثر أمنا لليهود.
ولا شكّ أن التوجّه نحو الهجرة يكشف بوضوح حجم التفكك الداخلي الذي يعيشه المجتمع الصهيوني اليوم، فالصراع بين العلمانيين والمتديّنين، وبين اليمين المتطرّف والتيارات الليبرالية، بلغ ذروة تهدّد بتفجّر كامل البنية الاجتماعية.
وقد أصبح «الخوف من المستقبل» عنوانا لليهود الشباب بالخصوص، الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة سياسات حكومة فاشية لا ترى إلا الحرب حلًّا لكل أزمة، وسندان غلاء المعيشة، وتراجع الاستثمارات، وهروب رؤوس الأموال، وارتفاع نسبة البطالة.
ومن المفارقات الواضحة للصهيونية أن الدولة التي راهنت على جلب المهاجرين لتكريس مشروعها الاستيطاني، أصبحت اليوم طاردة لهم، إذ وفق خبراء سوسيولوجيا الهجرة، فإن قرار التفكير في الرحيل لا يأتي فجأة، بل هو خلاصة فقدان الثقة في المستقبل السياسي، الاقتصادي، والأمني، وهي ليست معارضة سياسية عابرة، بل حالة فقدان أمل جماعي من قدرة الكيان الغاصب على تأمين حياة طبيعية.
فعلى مدى عقود، استثمر الكيان الصهيوني في «المظلومية اليهودية» لتبرير جرائمه، ولحشد الدعم السياسي والعسكري والمالي الغربي، لكنّ المؤشرات الحالية تقول إنّ هذه الأسطورة لم تعد مقنعة حتى لليهود أنفسهم.
وما يضاعف خطورة الأمر بالنسبة لإسرائيل هو أن هذه الظاهرة تأتي في وقت تتزايد فيه عزلة الكيان دوليا نتيجة جرائمه في غزّة، ومع تراجع الدعم الشعبي له في الغرب، وتنامي حملات المقاطعة، واعتباره في تقارير حقوقية دولية نظامَ فصل عنصري كامل.
ومن الثابت أن هذه الأرقام ليست مجرّد إحصاء ديمغرافي، بل إعلان رسمي عن تصدّع الأساس الذي قام عليه الكيان الصهيوني الذي فكّر ربع سكانه في المغادرة في دليل بيّن على دخوله مرحلة هشاشة وجودية حقيقية.
هاشم بوعزيز
لم يكن أكثر المنظّرين للصهيونية تشاؤما ليتوقّع أن يأتي يوم تصبح فيه «الدولة التي وُعدت بأنها واحة الأمن والازدهار لليهود»، طاردة لهم بدل أن تكون قبلة لشتاتهم، غير أنّ دراسة إسرائيلية مؤخرا كشفت أن ربع اليهود يفكّرون في الهجرة، وأن 10 % منهم يخطّطون فعليّا للمغادرة النهائية، في رقم لا يعدّ عابرا بل هو زلزال داخل السردية المؤسسة للكيان الصهيوني، تلك السردية التي بُني عليها المشروع الاستيطاني منذ 1948.
فعلى مدى عقود، روّجت الدعاية الصهيونية داخل الكيان وخارجه لفكرة أنّ إسرائيل «الوطن الآمن» و«الدولة المزدهرة اقتصاديّا»، غير أن الواقع اليوم يكذّب كل تلك الأوهام، ويكشف أنّ البريق اللامع لم يعد يخفي التصدّع العميق.
كانت «الحماية» أول وعود الصهيونية للجاليات اليهودية حول العالم، لكنّ الحرب على غزة، وما تلاها من تداعيات داخلية، أسقطت هذه السردية سقوطا مدويا، فالمجتمع الإسرائيلي يعيش حالة هلع وجودي غير مسبوق، مع انهيار ثقة المستوطنين بالمؤسسة العسكرية، وتزايد النزاعات داخل الحكومة والجيش، وتراجع الشعور بالأمان في عمق المدن التي كانت تُقدَّم كنماذج «للاستقرار»، فحين يفكّر ربع السكان في الرحيل، فهذا يعني ببساطة أنّ الكيان لم يعد قادرا على إقناع حتى مواطنيه بأنه المكان الأكثر أمنا لليهود.
ولا شكّ أن التوجّه نحو الهجرة يكشف بوضوح حجم التفكك الداخلي الذي يعيشه المجتمع الصهيوني اليوم، فالصراع بين العلمانيين والمتديّنين، وبين اليمين المتطرّف والتيارات الليبرالية، بلغ ذروة تهدّد بتفجّر كامل البنية الاجتماعية.
وقد أصبح «الخوف من المستقبل» عنوانا لليهود الشباب بالخصوص، الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة سياسات حكومة فاشية لا ترى إلا الحرب حلًّا لكل أزمة، وسندان غلاء المعيشة، وتراجع الاستثمارات، وهروب رؤوس الأموال، وارتفاع نسبة البطالة.
ومن المفارقات الواضحة للصهيونية أن الدولة التي راهنت على جلب المهاجرين لتكريس مشروعها الاستيطاني، أصبحت اليوم طاردة لهم، إذ وفق خبراء سوسيولوجيا الهجرة، فإن قرار التفكير في الرحيل لا يأتي فجأة، بل هو خلاصة فقدان الثقة في المستقبل السياسي، الاقتصادي، والأمني، وهي ليست معارضة سياسية عابرة، بل حالة فقدان أمل جماعي من قدرة الكيان الغاصب على تأمين حياة طبيعية.
فعلى مدى عقود، استثمر الكيان الصهيوني في «المظلومية اليهودية» لتبرير جرائمه، ولحشد الدعم السياسي والعسكري والمالي الغربي، لكنّ المؤشرات الحالية تقول إنّ هذه الأسطورة لم تعد مقنعة حتى لليهود أنفسهم.
وما يضاعف خطورة الأمر بالنسبة لإسرائيل هو أن هذه الظاهرة تأتي في وقت تتزايد فيه عزلة الكيان دوليا نتيجة جرائمه في غزّة، ومع تراجع الدعم الشعبي له في الغرب، وتنامي حملات المقاطعة، واعتباره في تقارير حقوقية دولية نظامَ فصل عنصري كامل.
ومن الثابت أن هذه الأرقام ليست مجرّد إحصاء ديمغرافي، بل إعلان رسمي عن تصدّع الأساس الذي قام عليه الكيان الصهيوني الذي فكّر ربع سكانه في المغادرة في دليل بيّن على دخوله مرحلة هشاشة وجودية حقيقية.
هاشم بوعزيز