مع الشروق : امتحانات ليست كالامتحانات !
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/12/15
يعيش تلاميذ التعليم الأساسي في هذه الفترة على وقع امتحانات الثلاثي الأول التي جاءت ولأول مرة في تاريخ المدرسة التونسية بهذا الشكل: أسابيع متواصلة من الفروض الشفوية ثم الكتابية، وذهن الطفل مشدود إلى التقييم أكثر مما هو مفتوح على التعلّم!. شهر ونصف تقريبًا من التقييم المتواصل، زمن طويل في عمر طفل صغير وكافٍ لإرهاق من لا يتجاوز عمره الـ 12 عاماً نفسيًا وذهنيًا، ليعيش الضغوط المتراكمة كما لو كان يركض ولا يعرف النهاية قبل أن يعرف البداية.
الامتحانات وبهذا الشكل الجديد، لم تعد محطة بيداغوجية عابرة، بل مناخا عاما يرافق التلميذ داخل القسم وخارجه بالبيت والأسرة، وحتى إلى نومه وأحلامه.
امتحانات هذه الفترة وبهذا الشكل المطول والماراطوني جاءت نظريا في إطار إصلاح المنظومة التربوية فاختلفت عن الامتحانات التي عرفتها المدرسة التونسية سابقا من حيث الإيقاع ومن حيث الكثافة ومن حيث فلسفتها التربوية.
هذا الشكل الجديد من الشفوي ثم الكتابي لا يرهق ويشتت التلميذ فقط، بل يربك المعلم الذي يشتغل مع تلميذ منهك، مشتّت، موزّع بين تحصيل العلم والاستعداد الدائم للامتحان ، فالمعلم لا يواجه ذهنا متفرّغا على استعداد للفهم، بل ذهنا مشدودا إلى الفرض القادم وإلى العدد وإلى الخوف من الإخفاق مع تلميذ عدل ساعته الداخلية على امتحانات مدتها شهر ونصف، يُقاس فيها الزمن بالفروض لا بالدروس.
هذا الوضع كما قلنا لا يربك الطفل وحده، بل يُربك العملية التربوية كلّها، فالمربي في هذه الفترة من الثلاثي الاول مطالب بالشرح والتحفيز والمضي في البرنامج، في وقت يشتغل فيه التلميذ بمنطق آخر: ماذا أحفظ؟ ماذا أراجع؟ ومتى الامتحان؟ فيضيع التوازن الطبيعي بين التعليم والتقييم، ويتحوّل القسم إلى مساحة ضغط مشتركة، تلتقي فيها طموحات الطفل بالواجبات المفرطة، فيتشابك القلق والتعب والفهم الجزئي وهو ما ينعكس حتى على الولي الذي ينتظر نتائج جيدة أو مرضية لابنه مع تحصيله للعلم في ذات الآن.
الإشكال لا يكمن في مبدأ الامتحان نفسه، بل في تمدده وتحويله إلى محور العملية التعليمية ، فحين يطغى التقييم ينسحب التعلّم، وحين تصبح الأعداد غاية تفقد المعرفة قيمتها، ويصبح التلميذ مجرد رقم يركض خلف ورقة.
التعليم الاساسي يفترض أن يبني المعرفة بهدوء، وأن يزرع الفضول، وأن يسمح بالخطأ والسؤال، لا أن يختزل التجربة المدرسية في سباق فروض ممتدة بلا نهاية.
المربون الذين لم تتم استشارتهم في هذا الإصلاح، كانوا قد اقترحوا أسبوعا مغلقا لأطفال صغار، اقترحوا أسبوعا هو الان من حق تلميذ الإعدادي والثانوي، لكنه ممنوع مع الابتدائي، ومن اقترح هذا الأسبوع مع الكبار يعي أهميته، لكن من المفارقات العجيبة أنه لا يطبق مع البراعم الصغار وهم في الواقع أولى به من غيرهم! .
المدرسة التونسية اليوم مدعوة إلى مراجعة رزنامة الامتحانات، ليس بدافع التخفيف فقط، بل بدافع فهم أن التلميذ يحتاج وقتا ليبني عقله، والمعلّم يحتاج الى مساحة ليعلّم والولي مدعو للمتابعة، والعملية التربوية تحتاج توازنا حقيقيا.. تقييم أقل، فهم أعمق وأكثر، وزمن مدرسي يحترم نفسية الطفل ويعيد الاعتبار للتعلم وتحصيل المعرفة.
ما يمكن اضافته قبل ان نختم هو انه مع نهاية هذه الامتحانات والعطلة ، سيعود التلميذ من جديد الى الامتحانات في مدرسة امتحانات ليست ككل الامتحانات..
راشد شعور
يعيش تلاميذ التعليم الأساسي في هذه الفترة على وقع امتحانات الثلاثي الأول التي جاءت ولأول مرة في تاريخ المدرسة التونسية بهذا الشكل: أسابيع متواصلة من الفروض الشفوية ثم الكتابية، وذهن الطفل مشدود إلى التقييم أكثر مما هو مفتوح على التعلّم!. شهر ونصف تقريبًا من التقييم المتواصل، زمن طويل في عمر طفل صغير وكافٍ لإرهاق من لا يتجاوز عمره الـ 12 عاماً نفسيًا وذهنيًا، ليعيش الضغوط المتراكمة كما لو كان يركض ولا يعرف النهاية قبل أن يعرف البداية.
الامتحانات وبهذا الشكل الجديد، لم تعد محطة بيداغوجية عابرة، بل مناخا عاما يرافق التلميذ داخل القسم وخارجه بالبيت والأسرة، وحتى إلى نومه وأحلامه.
امتحانات هذه الفترة وبهذا الشكل المطول والماراطوني جاءت نظريا في إطار إصلاح المنظومة التربوية فاختلفت عن الامتحانات التي عرفتها المدرسة التونسية سابقا من حيث الإيقاع ومن حيث الكثافة ومن حيث فلسفتها التربوية.
هذا الشكل الجديد من الشفوي ثم الكتابي لا يرهق ويشتت التلميذ فقط، بل يربك المعلم الذي يشتغل مع تلميذ منهك، مشتّت، موزّع بين تحصيل العلم والاستعداد الدائم للامتحان ، فالمعلم لا يواجه ذهنا متفرّغا على استعداد للفهم، بل ذهنا مشدودا إلى الفرض القادم وإلى العدد وإلى الخوف من الإخفاق مع تلميذ عدل ساعته الداخلية على امتحانات مدتها شهر ونصف، يُقاس فيها الزمن بالفروض لا بالدروس.
هذا الوضع كما قلنا لا يربك الطفل وحده، بل يُربك العملية التربوية كلّها، فالمربي في هذه الفترة من الثلاثي الاول مطالب بالشرح والتحفيز والمضي في البرنامج، في وقت يشتغل فيه التلميذ بمنطق آخر: ماذا أحفظ؟ ماذا أراجع؟ ومتى الامتحان؟ فيضيع التوازن الطبيعي بين التعليم والتقييم، ويتحوّل القسم إلى مساحة ضغط مشتركة، تلتقي فيها طموحات الطفل بالواجبات المفرطة، فيتشابك القلق والتعب والفهم الجزئي وهو ما ينعكس حتى على الولي الذي ينتظر نتائج جيدة أو مرضية لابنه مع تحصيله للعلم في ذات الآن.
الإشكال لا يكمن في مبدأ الامتحان نفسه، بل في تمدده وتحويله إلى محور العملية التعليمية ، فحين يطغى التقييم ينسحب التعلّم، وحين تصبح الأعداد غاية تفقد المعرفة قيمتها، ويصبح التلميذ مجرد رقم يركض خلف ورقة.
التعليم الاساسي يفترض أن يبني المعرفة بهدوء، وأن يزرع الفضول، وأن يسمح بالخطأ والسؤال، لا أن يختزل التجربة المدرسية في سباق فروض ممتدة بلا نهاية.
المربون الذين لم تتم استشارتهم في هذا الإصلاح، كانوا قد اقترحوا أسبوعا مغلقا لأطفال صغار، اقترحوا أسبوعا هو الان من حق تلميذ الإعدادي والثانوي، لكنه ممنوع مع الابتدائي، ومن اقترح هذا الأسبوع مع الكبار يعي أهميته، لكن من المفارقات العجيبة أنه لا يطبق مع البراعم الصغار وهم في الواقع أولى به من غيرهم! .
المدرسة التونسية اليوم مدعوة إلى مراجعة رزنامة الامتحانات، ليس بدافع التخفيف فقط، بل بدافع فهم أن التلميذ يحتاج وقتا ليبني عقله، والمعلّم يحتاج الى مساحة ليعلّم والولي مدعو للمتابعة، والعملية التربوية تحتاج توازنا حقيقيا.. تقييم أقل، فهم أعمق وأكثر، وزمن مدرسي يحترم نفسية الطفل ويعيد الاعتبار للتعلم وتحصيل المعرفة.
ما يمكن اضافته قبل ان نختم هو انه مع نهاية هذه الامتحانات والعطلة ، سيعود التلميذ من جديد الى الامتحانات في مدرسة امتحانات ليست ككل الامتحانات..
راشد شعور