مع الشروق : المجتمع الإنساني...ينتصر

مع الشروق : المجتمع الإنساني...ينتصر

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/07/31

في مشهد ديبلوماسي متسارع يعكس تحولا ملحوظا في المواقف الدولية، يجد الكيان الصهيوني نفسه اليوم فيما يشبه العزلة المتزايدة، بينما يكتسب قطار الاعتراف بالدولة الفلسطينية زخما لا يتوقف، فرنسا، بريطانيا، أستراليا، كندا، نيوزيلندا، فنلندا، لوكسمبورغ، مالطا، البرتغال، سان مارينو، أعربت جميعها عن استعدادها للعمل من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر المقبل، في خطوة تضامنية مع الشعب الفلسطيني.
هذه الخطوة المرتقبة ليست مجرد موقف ديبلوماسي عابر، بقدر ما تمثل نتيجة طبيعية لسلسلة من العوامل المتداخلة التي أدت إلى تآكل الدعم الغربي التقليدي للكيان الغاصب، فحرب الإبادة الجماعية التي تُشن على غزة كشفت للعالم بأسره الطابع الإجرامي لهذا الكيان، وصور المجاعة المروعة والدمار والقتل التي تنقلها وسائل الإعلام يوميا من قلب قطاع غزة المنكوب وتقارير المنظمات الدولية، ساهمت في تشكيل رأي عام غربي جديد أكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية وضاغط على حكوماته.
فالرأي العام الغربي الذي لطالما شكّل ركيزة أساسية لدعم إسرائيل نتيجة حملات تزييف الوعي التي شنتها لعشرات السنين اللوبيات الصهيونية والأوليغارشيا، يشهد اليوم تحولا جذريا، حيث تظهر استطلاعات الرأي في الدول الأوروبية تراجعا حادا في تأييد الكيان الصهيوني، وهو ما يضع ضغطا متزايدا على الحكومات الغربية لإعادة النظر في مواقفها التقليدية من الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
وما الإعلان الفرنسي ثم البريطاني عن نيتهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل سوى نقطة تحول مهمة، خاصة وأن هذين الدولتين يتغلغل فيهما اللوبي الصهيوني بصفة مؤثرة سياسيا واقتصاديا، غير أن هذا الموقف لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة لضغوط شعبية متزايدة وتغير في الرأي العام فيهما والذي بات أكثر تعاطفا مع معاناة الشعب الفلسطيني وتنديدا بالجرائم الصهيونية بما جعل ماكرون وستارمر مضطرين للاستجابة لهذا التغير في المزاج الشعبي.   
والأمر لا يقتصر على فرنسا وبريطانيا، بل سبقتهما دول أوروبية أخرى وأصوات داخل الاتحاد الأوروبي تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل ومراجعة الاتفاقيات معها، في خطوة تعكس موقفا أكثر انتقادا تجاه الحليف الإسرائيلي ما كانت لتحدث لولا انتفاضة المجتمع الإنساني في العواصم الغربية نتيجة حرب الإبادة الجماعية وتدمير المستشفيات والمدارس ودور العبادة ومنع وصول المساعدات الإنسانية والتجويع الممنهج الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، بشكل صدم الضمير الإنساني العالمي وأثار موجة من الاحتجاجات العارمة والتنديد في الشارع الغربي.
فالمظاهرات المليونية الحاشدة في كبريات العواصم الغربية المؤيدة لفلسطين والمنددة بحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان المحتل، أرسل رسالة واضحة للحكومات بأنه لا يمكن السكوت على الإجرام الصهيوني، وهي مظاهرات لم تضم أشخاصا من أصول عربية وإسلامية فقط بل ضمت جميع الخلفيات والديانات، بما يعكس تغيرا حقيقيا في الوعي الغربي حول حقيقة ما يحدث في فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني.
هذا الواقع الجديد، يضع الكيان المحتل أمام تحدّ وجودي حقيقي، فقوته اعتمدت تاريخيا وبشكل كبير على الدعم الغربي وخاصة الأمريكي، وعلى قدرته على تصوير نفسه كواحة ديمقراطية وهو ما انكشف زيفه في الشارع الغربي وسقطت معه جميع السرديات الكاذبة التي عمل على ترسيخها في المجتمعات الغربية عبر اللوبيات المؤيدة له، وانقلب عليه الرأي العام الدولي بعد أن تبيّن له حقيقة الطابع الإجرامي لهذا الكيان الغاصب.
فقطار الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيستمر، وقد نشهد لحظة فارقة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم مع إمكانية حصول فلسطين على اعتراف دولي أوسع يشكل انتصارا ديبلوماسيا وإقرارا دوليا بعدالة قضيته.
هاشم بوعزيز
 

تعليقات الفيسبوك