مع الشروق : السلام... على الطريقة «الترامبية»؟!

مع الشروق : السلام... على الطريقة «الترامبية»؟!

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/10/08

كثيرا ما يتبجح الرئيس الأمريكي ـ ترامب ـ بأنه خلافا لرؤساء أمريكا الآخرين يطفئ الحروب ولا يشعلها.. وكثيرا ما يمضي في تعداد الحروب والنزاعات التي «أنهاها» حتى أنه صار بإمكاننا الحديث عن انهاء الحروب على الطريقة «الترامبية» أي على طريقة الرئيس ترامب.. وهي تشكل للمتأمل في ثناياها وفي تفاصيلها طريقة عجيبة غريبة وتؤدي إلى «سلام» كسيح ومشوه.. لأنها ببساطة تقفز على الأسباب والحقائق والأدوار والمحاسبة والمساءلة وتمضي مباشرة إلى معاينة وقف اطلاق النار!!
وحتى لا نغرق كثيرا في تفاصيل وحقيقة الحروب التي أنهاها ترامب منذ صعوده إلى كرسي رئاسة أمريكا قبل شهور فسوف نكتفي بالتوقف عند حرب إسرائيل أو بالأحرى عدوان إسرائيل على قطاع غزة المتواصل منذ سنتين والذي خلّف مأساة مكتملة الأركان وجريمة موصوفة في حق أزيد من مليوني مواطن. هذه الحرب الظالمة أبادت عشرات الآلاف. وأصابت عشرات الآلاف. ودمّرت المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة وقضت على كل مناحي الحياة في قطاع  كان يعجّ بالحياة وبالحركة. ولتكتمل حلقة الابادة الجماعية فإن الكيان الصهيوني يخضع القطاع إلى حصار شامل يحرم مئات آلاف الأطفال والشيوخ والنساء والشبان لقمة الغذاء وجرعة الدواء وكل أسباب الحياة ولو في مستواها الأدنى.. وحين ننظر إلى هذه اللوحة ونستعرض «صولات» آلة الحرب الصهيونية واصرار المسؤولين الاسرائيليين الـمَرَضِي على التمادي في نهج القتل والغطرسة والعدوان، فإننا نكتشف بالعين المجردة أن هذه الالة  الصهيونية تستمد كل أسباب غطرستها وبطشها من خزائن المال الأمريكي.. ومن مخازن السلاح الأمريكي، ومن الغطاء السياسي الذي توفره الادارة الأمريكية بما فيها إدارة ترامب للكيان بشكل يجعله فوق القانون الدولي وفوق الشرعية الدولية. وبشكل يحصّنه من المساءلة والمحاسبة. وبعبارة أخرى حين نتأمل في تفاصيل هذا العدوان نجد أن أمريكا هي شريك فعلي وكامل في جريمة الإبادة الجماعية.. ونجد أن السكين الصهيونية التي تذبح أبناء غزة هي في واقع الحال أمريكية الصنع.. بما يجعل هذه الحرب في نهاية المطاف حربا أمريكية كما هي حرب اسرائيلية.. وفي حين يمضي الكيان الصهيوني في عدوانه لهثا وراء ما يسمى «اسرائيل الكبرى» فإن أمريكا تدعم هذه الحرب بكل أدوات وأسباب التواصل لهثا واء أهداف استراتيجية تتعلق بإرساء ما تسميه «الشرق الأوسط  الجديد» اعتمادا على تدمير الدول وإضعافها تمهيدا لتفكيكها حتى ترضخ لمشرط «التقسيم وإعادة التشكيل».. وتتعلق كذلك باحتواء طريق الحرير الصينية وشق ممر بحري جديد تسميه إسرائيل ـ قناة بن غوريون ـ لاستكمال خنق مصر وإحالة قناة السويس ـ شريان الحياة للاقتصاد المصري ـ على المعاش ولتمهيد الأرضية أمام طريق الهند ـ أوروبا التي تخطط من ورائها أمريكا إلى قطع الطريق أمام تمدّد التنين الصيني.. وكل هذه أسباب وأهداف تغذي آلة الحرب الصهيونية وتمدّها بأسباب مواصلة المجهود الحربي. وبالمحصلة فإن هذه الحرب تبدو صهيونية في مظهرها ولكنها أمريكية في جوهرها.. وهو ما يتيح لإدارة ترامب فرصة الكسب المزدوج وتحقيق الأرباح والمكاسب من اشعال الحرب وتواصلها وكذلك من توقفها.. حين تظهر أمريكا بعد أن حققت جلّ أهدافها الاستراتيجية وكأنها هي من أطفأ نيران الحرب وبالتالي فإنها ستكون الطرف الذي يجني ثمار السلام.
وحين نسقط هذه المعادلة على الحرب الصهيونية ـ الأمريكية على غزة فإننا نجدها تتماهى بالكامل مع مواصفات انهاء الحرب على الطريقة «الترامبية» لأنها تقفز إلى الاستنتاجات والتوصيفات وتتجاهل الأسباب والمسؤوليات.. وتساوي بين الجلاد والضحية ليظهر ترامب في زي رجل المطافئ مع أنه مسؤول بنفس درجة مسؤولية نتنياهو على جرائم القتل والابادة والدمار الشامل في قطاع غزة.. ولتصل به الوقاحة حدّ التطلع إلى جائزة نوبل للسلام..
ولأن هذا الزمن هو زمن المفارقات العجيبة الذي يتهم فيه المقاوم دفاعا عن أرضه وعن عرضه بالارهاب ويوصف فيه الارهابي الموغل في القتل والابادة والتدمير بأنه يقاوم الارهاب ويدافع عن قيم الحرية والديمقراطية.. ولأن هذا الزمن تقوده هذه المكاييل والمقاييس المقلوبة وهذه القيم المصلوبة فإننا قد نفاجأ بمكافأة «السلام على الطريقة الترامبية» وقد نرى الرئيس ترامب يتوج بجائزة نوبل للسلام كما توج بها من قبله أوباما (2009) ورابين (1994).. توصية وحيدة نهمس بها: إذا استقر رأي لجنة اسناد جائزة نوبل للسلام على منحها للرئيس ترامب فإننا نقترح أن «تكمل اللجنة معروفها» وتمنحها مناصفة بين ترامب ونتنياهو حتى تكون أفضل تتويج لعرس الدم في غزة.
عبدالحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك